أكثر من ثلث حملة شهادات الدكتوراه في الأردن من النساء. رغم ذلك، تأتي تشكيلة مجالس أمناء الجامعات شبه خالية من السيدات؛ إذ اقتصر القرار الذي أعلن نهاية الأسبوع الماضي، على تعيين ثلاث نساء فقط في عضوية هذه المجالس التي تضم 150 شخصية.
نسبة وجود النساء في مجالس الأمناء، والتي لا تتعدى 2 % فقط، تنسف أكثر من فكرة؛ عمادها "تمكين المرأة" التي أرهقنا المسؤولون في التأكيد عليها خطابياً. والحديث هنا لا علاقة له بـ"الكوتا"، بل جوهره الإقرار بحقوق النساء المستحقة من دون منّة أحد.
فالأرقام المتعلقة بالنساء تؤكد أنهن الأكثر تعليما من ناحية عددية، كما أنهن من الأفضل، إن لم يكن الأفضل، لناحية التحصيل العلمي. مع ذلك، يبقى التمييز الجندري قائما ضدهن، وهذه المرة، وللأسف، من جهة تعي تماما مدى قدرة النساء على تقديم أداء أفضل في هذه المواقع.
القصة ليست انحيازا، بل هي مطالبة بحق. ولا أدري ما هو المبرر الذي ستقدمه الحكومة لتفسير ما حدث! هل نسيت النساء من جديد؛ ففقدن حقهن لأن أحدهم نسي أنها مكون رئيس للمجتمع، حققت منجزات في مجال التعليم تتقدم بموجبها على شقيقها الرجل، استناداً لمبادئ الكفاءة والعدالة وتكافؤ الفرص؟
لكن ليس مستغربا أن لا يتجاوز تمثيل النساء في مجالس أمناء الجامعات نسبة 2 %، إذ حدث عندنا أكثر من ذلك، من مثل نسيان أحد رؤساء الحكومات تعيين امرأة في موقع وزير، وفق ما قاله هو ذاته، في شرح أسباب خلو حكومته من النساء.
فكرة مجالس الأمناء وأهميتها تخضع للنقاش، وقد لا تبدو بتلك الأهمية التي كنا نعتقدها. لكن التعيينات الأخيرة فيها، تظل رغم ذلك، تجسد أحد أشكال التمييز ضد النساء، وبما يفسر تراجع ترتيب الأردن في تقرير الفجوة الجندرية العالمي، والمتعلق خصوصاً بتمكين المرأة؛ إذ تهاوى ترتيب المملكة من المركز 119 إلى المركز 134، ولتكون بذلك في أدنى سلم المؤشر الذي يضم 142 دولة.
تشكيلة مجالس الأمناء، من ناحية أخرى، ضمت العديد من رجال الأعمال وممثلي القطاع الخاص. وهنا أيضا غابت سيدات الأعمال تحديداً من بين الأعضاء؛ لماذا؟
الحكومة تمضي في تجاهل النساء وهضم حقوقهن، والإبقاء عليهن خارج دائرة الإنتاجية والمساواة. لكن هذا المسلك المنفر، يشي بأنه ما يزال أمامنا الكثير لنفعله؛ فأحوال النساء ونيلهن حقوقهن، هما في نهاية الأمر ليسا إلا مرآة لأحوال المجتمعات ككل.
طرأ تحسن طفيف على مشاركة المرأة في سوق العمل خلال العقود الماضية. إلا أن هذا التحسن ما يزال دون الطموح؛ إذ لم تتعد المشاركة الاقتصادية للمرأة نسبة 15 % حتى العام 2011، مقارنة بنسبة 63 % للذكور.
النساء خريجات الجامعات يشكلن أكثر من نصف الخريجين ككل، كما أن نحو ربع الكوادر التدريسية في الجامعات الأردنية من النساء، يضاف إلى ذلك عدد لا بأس به ممن حققن قصص نجاح يحتفي بها العالم. رغم ذلك، تجد النساء الأردنيات مهمشات في بلدهن، وغير معترف بكفاءاتهن، وأحدث دليل على ذلك تركيبة مجالس الأمناء.
بموجب "الكوتا"، تحجز المرأة موقعا لها؛ سواء كانت مؤهلة أم لا. لكن تجربة "الكوتا" (النيابية)، ورغم الغزل الذي تلقاه، لم تحسن فكرة مشاركة المرأة؛ ففي مجتمع لا يُعترف بنصفه، بل تضعه الحكومة "على الرف"، تبدو القناعة مستمرة، لدى الغالبية، بأن من الأفضل للنساء أن يقبعن في بيوتهن، باعتباره الخيار الأفضل للجميع! فهل هذا هو المطلوب، من وجهة نظر الحكومة تحديداً، الرافعة لـ"شعار" تمكين المرأة؟
(الغد)