ها نحن قد أصبحنا في قفص الاتهام فيما يتعلق باللجوء السوري. إذ بحسب تقرير أصدرته منظمة "هيومان رايتس ووتش"، فإن الأردن يخرق القانون الدولي، وقد أبعد قسرا إلى سورية، مؤخرا، 14 لاجئا سوريا، بينهم أطفال وجرحى، وأطلق النار على لاجئين على الحدود، ويمنع دخول لاجئين يتكدسون وراء الحدود وقد تقطعت بهم السبل، وأغلق مركزا طبيا يعالج اللاجئين السوريين. وبحسب التقرير أيضا، فإن الأردن يتبع أسلوب استقواء القوي على المستضعفين. ووفق الأخبار، فقد توقفت المراكز الصحية الأردنية عن العلاج المجاني للاجئين السوريين، وأصبحت تعاملهم مثل المواطنين الأردنيين غير المؤمّنين صحيا!
في حادثة إطلاق النار على لاجئين وأطفال، والتي تحدث عنها التقرير، يتضح في التفاصيل أن دورية حرس الحدود قامت بإطلاق النار على فارين يركبون دراجات نارية على الجانب الأردني من الحدود، وليس على لاجئين راجلين يعبرون الحدود؛ والفرق كبير بين الحالتين. وبالنسبة للمراكز الصحية، فإن الأردن يعالج مجانا اللاجئين في مراكزه الصحية بناء على تفاهم مع مفوضية اللاجئين على دفع تكاليف علاجهم. لكن المفوضية لم تدفع فلسا، فتوقفت المراكز عن علاج اللاجئين مجانا، وبدأت تعاملهم مثل أي مواطن أردني لا يحمل تأمينا صحيا؛ أي بالرسوم المتواضعة المعروفة. والأردن لم يتوقف عن استقبال اللاجئين إلا لفترة قصيرة جدا؛ عندما تفاقمت الأوضاع الأمنية قرب الحدود. ثم عاد ليستقبل ما بين عشرات ومئات اللاجئين يوميا، وينجد الجرحى منهم إلى المستشفيات ومراكز العلاج.
وكنت شاركت، أول من أمس، في حوار تلفزيوني جرى فيه اتهام الأردن بإغلاق سوق العمل أمام اللاجئين السوريين، أو تشغيلهم بأجور بخسة؛ وكذلك ترك الكفاءات من حملة الشهادات في الطب والصيدلة والهندسة يهاجرون إلى الغرب بحثا عن الرزق بدل الاستفادة منهم هنا. وعند هذا الحد يصدق القول "شرّ البلية ما يضحك". فنحن نعاني من بطالة الشهادات بقدر بطالة اليد العاملة. والسوريون في الحقيقة يعملون، وفي الشمال احتلوا تقريبا كامل قطاع المطاعم وخدمات أخرى، وينافسون في المجال الحرفي بقوة.
والأردن الآن يطبق سياسة عدم إدخال السوريين بالطرق النظامية، حيث لا يتم قبولهم كلاجئين. ومن يستطيع أن ينكر عليه ذلك مع وجود أكثر من 600 ألف سوري ليسوا مسجلين كلاجئين، من أصل مليون ومائتي ألف يتواجدون في الأردن. وليس كثيرا إذا صح أنه تم ترحيل 14 فردا، كما يقول تقرير "هيومان رايتس ووتش"، بسبب مخالفات أو قضايا أمنية.
نحن دخلنا مرحلة التباطؤ والتلكؤ في موضوع المساعدات. وكما توقعنا مبكرا، فهذا كان سيحدث بعد أن يكون تواجد السوريين قد أصبح أمرا واقعا، وتم استيعاب أكبر كم منهم. وسوف يتحول الأمر إلى مطالبات وضغوط على الأردن الذي سيتهم بخرق القانون الدولي وإساءة معاملة اللاجئين وعدم تقديم الخدمات الضرورية لهم، بدل أن يكون الضغط على المجتمع الدولي.
ومع كل مشاعر التضامن مع الإخوة السوريين في ظروفهم الكارثية، فقد كان لي منذ البداية وجهة نظر متحفظة جدا طرحتها في مجلس النواب على فتح الأردن لاستقبال اللاجئين وبناء المخيمات لهم. واقترحت أن تتولى الأمم المتحدة، بمساعدة الأردن، إنشاء مناطق آمنة وإقامة مخيمات على الجانب السوري من الحدود، حتى لا يتحمل الأردن المسؤولية النهائية عن اللاجئين. لكنّ وجهة النظر هذه لم تحظَ بأي اعتبار، وها نحن ندفع ثمن ذلك الآن.
(الغد)