فرقة الجاميّة تطرّف من الجانب الآخر
د.رحيل الغرايبة
27-11-2014 03:53 AM
أخبرني بعض الأصدقاء من جنوب الأردن أن هناك غزوا جديدا بنسخة مختلفة للتطرف يظهر في الكرك وفي بعض مدن الجنوب وقراه الأخرى، ينتشر من خلال بعض الأشخاص الذين ينسبون إلى ما يعرف «بالجاميّة» نسبة إلى الشيخ «محمد أمان الجامي» الذي شكل هذه الجماعة الجديدة مع الشيخ «ربيع المدخلي» قبل سنوات في دولة عربية مجاورة، وتتبنى هذه الجماعة فكراً متشدداً وآراء متطرفة من الجانب الآخر المقابل للتطرف المعروف في الساحة العربية والاقليمية والعالمية؛ الذي يتم وصفه بالارهاب، حيث يعتقد هؤلاء بتحريم النقد والتحريض ضد ولي الأمر، إلى درجة التجريم الذي يستحق القتل وسفك الدماء، ويفتون بحل دم كل من يسهم بالنقد العلني عبر الأشرطة التسجيلية أو المحاضرات ضد الحكام، بحجة انهم خوارج يريدون الاستيلاء على السلطة، ومنازعة الأمر أهله.
تغالي هذه الفرقة غلواً شنيعاً في فقه الطاعة لولي الأمر، وتعطيه صكاً مفتوحاً بفعل ما يشاء إذا كانوا ينطقون بشهادة أن لا إله إلا الله، وتعد كل من يطالب بالاصلاح السياسي بأنه حزبي مبتدع، ينتمي لجماعات الخوارج التي تستحق القتل والإبادة، وتفتي بتطبيق حد الحرابة عليهم، ويملك هؤلاء أموالاً، ومواقع إعلامية، وصحفا ومراكز دراسات من أجل التبشير بهذا الفكر ونشر هذا الفقه.
ينبغي لوزارة الأوقاف والجهات المسؤولة أن تلتفت إلى هذا النوع من التطرف، الذي لا يقل خطورة عن تطرف العنف واستخدام القوة وتسويغ الخروج المسلح على الحكام، فكلا الفريقين يعملان على نشر الفتنة وتقسيم المجتمع، وإشاعة تسويغ استخدام العنف ضد الآخر بسلاح الفتوى، واستخدام النصوص الدينية وتوجيهها وتوظيفها بطريقة ملتوية، كل على طريقته، فلا يجوز السكوت على هؤلاء ولا يجوز تسهيل دخولهم إلى مجتمعنا، فنحن بغنى عن هذا الفقه المتطرف الذي يثير الفتنة، والذي لا يقل بشاعة ولا أثراً سلبياً عن التطرف المقابل الذي يحظى بالتشهير وتسليط الأضواء والحشد المجتمعي والإقليمي والدولي.
التطرف كله مرفوض جملة وتفصيلا؛ بكل أشكاله وبكل اتجاهاته، فلا يجوز مواجهة التطرف بتطرف مشابه، ولا يجوز اللجوء إلى مثل هذا الاسلوب في المعالجة، لان من شأنه أن يزيد من حدة التطرف، ويزيد من ثقافة الاستهانة بالنفس الانسانية والتساهل بالدماء، وتسويغ القتل واستخدام العنف والفوضى في مجتمعاتنا.
نحن بحاجة إلى مواجهة التطرف عبر نشر الوعي، والفكر الصحيح، والفقه العميق، وعبر نشر ثقافة التسامح، وتقبل الآخر وترسيخ التعددية، والرضى بالاختلاف والتنوع الديني والمذهبي والفكري والسياسي والعرقي، ولا طريق أمامنا إلا التعايش الحضاري القائم على الحوار الهادىء، ومواجهة الحجة بالحجة، والكلمة بالكلمة، وتحريم استخدام العنف وكل أشكال القوة في فرض الآراء والمعتقدات، ويجب الابتعاد بشكل مطلق عن مفهوم احتكار الدين، واحتكار الحقيقة واحتكار الصواب، واحتكار السلطة، وضرورة البحث المشترك عن صيغ التوافق القائمة على احترام الدستور والقانون والنظام.
في ظل الانفتاح الإعلامي الواسع الذي يجتاج مجتمعاتنا، وفي ظل انتشار وسائل التواصل المجتمعي، ينبغي التفكير في كيفية حماية مجتمعاتنا وأبنائنا من فوضى الأفكار، وانهيار القيم، وينبغي العمل على تحصين الأسرة والمؤسسات التربوية من هذا الطوفان الخطر، ولا يكون ذلك بالمنع والحظر والعقوبة، بقدر ما ينبغي البحث عن استخدام الوسائل نفسها في ترسيخ القيم النبيلة ونشر الفضائل، بالاستعانة بأصحاب الفكر والخبرة التربوية، وأصحاب الفقه الأصيل، وهذا يستحق تداعي الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني، والقوى السياسية والاجتماعية وكل الأطراف المعنية، إلى وضع استراتيجية شاملة، مرتكزة على رؤية واضحة ورسالة مفهومة، ينهض بها المجتمع بكل مكوناته وأطيافه وقواه الحيّة.
(الدستور)