من المعروف ان اكبر تحد ، يواجه المواطن العربي العادي ، في صراعه اليومي من اجل تأمين حياة كريمة ، هو السكن اللائق ، هذه حقيقة يدركها كل مواطن ، فيعيش هذا الحلم منذ بداية حياته العملية ، وبداية تكوين خلية الاسرة بعد الزواج ، ويزداد التعلق بهذا الحلم مع اضطراد البناء الاسري ، فالسكن هو اولى واهم مستلزمات الحياة الكريمة .
لقد كانت الانظمة الاشتراكية ، تضع حاجة المواطن للسكن في قائمة اهتماماتها ، وعندما كان المرء يسأل عن مزايا الاشتراكية ، او مكاسب المواطن في الدول الاشتراكية ، كان تأمين السكن في رأس قائمة الامتيازات ، التي كانت تجعل المواطن العادي ، غير المؤدلج بنظرية الاشتراكية ، يعجب بهكذا نظام ويحترمه ، رغم التشويهات الاخرى التي كانت تمس المواطن المؤمن بايمانه ، من خلال التركيز على جوانب اخرى لم يثبت مصداقيتها من هذ النظرية السياسية الاقتصادية ، كان الانسان العادي يعجب بداخله بهكذا نظام ، هدفه الاساسي تحقيق العدالة الاجتماعية ، وتأمين كل مستلزمات الحياة اللائقة ، وفي مقدمتها السكن ، لاهمية هذا الامر لاستقرار الانسان واسرته اولا ، ولتكاليفه الباهضة ثانيا ، والتي تجعل منه حلم العمر ومشروع الحياة الاكبر ، يستدين كل عمره ، ويقتطع من لقمة عيشه وعيش ابناءه ، لتأمين تكاليفه ، يبيع سيارته او يحرم نفسه منها ، يقتصد في مصروفه اليومي ، وفي امور اخرى كثيرة ، لا تخفى على غالبية المواطنين من ذوي الدخول المحدودة ، كل ذلك لتأمين السكن اللائق ، الذي يعتبر لمن يحققه اعظم انجاز يفاخر به في حياته .
كثيرا ما سمعنا عن مآسي السكن ، في دول عربية وغير عربية ، عن الصراع اليائس لتأمينه ولو بأسوأ الظروف ، سمعنا عن مواطنين عرب سكنوا المقابر ، عن غرف مكتظة ، بحيث اصبحت هذه الغرفة بمثابة شقة مصغرة ، تقطنها عائلة كاملة ، لا يقل افرادها عن خمسة ، وعن ظروف صحية بائسة ، وعن صراع آخر لتأمين حتى مثل هذا السكن الحقير ، وتفاصيل كثيرة تؤشر الى حالة البؤس ، حتى اصبح الصراع من اجل السكن ، صراع من اجل الحياة .
تأمين السكن للطبقات الكادحة ، هو انجاز اشتراكي ، وهو من صلب برامج الاحزاب الوطنية واليسارية ، اصبح هدفا نضاليا ، واصبح التقدم بخطوات ولو بطيئة على طريق تحقيقه لفئة من المواطنين ، انجاز اشتراكي ، تتباهى بتحقيقه الاحزاب والحكومات ذات التوجهات اليسارية ، تضعه ضمن اولويات برامجها ، وتتسابق اجهزة الاعلام في دول كثيرة ، لتذكير المواطنين بهذا الانجاز الوطني الكبير ، في كل المناسبات ، للتأكيد على اخلاص القيادة ، والتدليل على صدق توجهاتها في تحقيق المكاسب للشعب .
في الاردن ، تحث الخطى هذه الايام ، لتأمين مئة الف شقة خلال خمس سنوات ، وهذا يعني تأمين السكن اللائق ، لنصف مليون مواطن على اقل تقدير ، هذا العدد من المواطنين يمثل حاليا 10% من سكان الاردن ، اضافة لمشاريع اسكان اخرى ، ترعاها الحكومة لفئات عديدة من المواطنين ، علما ان الاردن ليس دولة اشتراكية ، ولا يرفع شعارات الاشتراكية ، يمر هذا الانجاز بهدوء ودون ضجيج اعلامي ، ودون تطبيل وتزمير حكومي ، ودون أي اشارة حنى لو كانت ناقدة لجوانب من هذا الانجاز ، من قبل احزابنا ومنظماتنا الشعبية ، التي اصم بعضها آذاننا من الصراخ بهموم المواطنين ، انجاز يرعاه قائد ، آمن بكرامة الانسان الاردني ، فهو لا يتواني عن الجلوس على الارض ، امام امرأة مسنة في ابعد قرية اردنية ، يشد من عضدها امام عاديات الزمان ، انه الضامن لتحقيق هذا الانجاز بافضل مستوى ، وهو الرادع لكل تلاعب او مماطلة او تشويه ، وهو فوق كل ذلك نبع الانجازات التي نحلم بتحقيقها ، انجازات التامين الصحي الحقيقي الفاعل ، وانجازات التعليم المعتدل التكاليف ، فهي اضافة للسكن ، تعتبر ثالوث الكوابيس المرعبة للمواطن ، هي ما يحتاج العون فيها مواطننا الاردني ، ليستمر في اطمئنانه الى مستقبله ، ومستقبل ابنائه ، ومستقبل الاجيال اللاحقة .
ما يحققه الاردن ، وما تسعى اليه القيادة ، خطوات جبارة على طريق تحقيق الحياة الفضلى ، للطبقة الوسطى والدنيا ، واللتان تشكلان غالبية الشعب الاردني الساحقة ، ورغم ان السكن ليس مجانيا كما كان الامر في الدول الاشتراكية ، لكن تأمينه بتكاليف مالية بمقدور المواطن تأمينها بسهولة ، يعتبر خطوة اشتراكية غير مسماة ، انها ثورة الاسكان ، التي تواجه الفقر والجشع ، انصافا للمواطن وحقه بالحياة الكريمة .
m_nasrawin@yahoo.com