لا التشهير .. ولا التستر!
طارق مصاروة
25-11-2014 02:36 AM
في أربعينيات القرن الماضي كنا نزور عمان زيارة فلاحين.. تشدههم كل الاشياء، سوق البخارية، ورش الشوارع بالماء في الصيف، والكباب والموز والكنافة، والسيل.. وفي مرة علقت بذاكرتي صورة لمشهد رايته في ساحة المسجد الحسيني:
رجل يدفعه شرطيان، وعلى رأسه واكتافه امعاء ومعدة خروف.. يسيل منها كل شيء. وكان الرجل يضحك دون اسنانه الامامية، وحين يتأخر في سيره يتلقى دفعة او عصا الشرطي الصغيرة!
-والدي كان يقول لي جوابا على استفساري عن سبب هذا «الاذلال»، فيقول: هذا «سرّاق جداية»، ويظهر انه كان يكرر سرقته، فيعاقب بالتشهير به بين الناس!
تذكرت المشهد وانا اتابع التصريحات الاخيرة للباشا الجار رئيس دائرة مكافحة الفساد.. بالأرقام المهولة لعدد القضايا المُحالة من دائرته إلى القضاء!
وملاحظة الرجل الدقيق في تعابيره ان الدائرة لا تؤمن بالتشهير بالناس، فلا تذكر اسماءهم، ويبدو ان هذه تقاليد حكومية في كل الشؤون مثل ملاحقة فساد الطعام، والشراب، والاستهلاكيات، فهي على كثرتها وخطورتها لا تتضمن اخبارها اسماء بائعي الطعام والشراب والاغذية والادوية وغيرها الكثير.. حتى لا يصل الامر الى..التشهير!
نحن نفهم السبب في منع ذكر الاسماء في مرحلة التحقيق او المحاكمة، فالمتهم بريء حتى يُدان.
لكن ادانته لا تمنع فضحه.. والتشهير به، على طريقة وضع امعاء ومعدة الجدي على رأس الحرامي، والدوران به في اسواق عمان!
يجب فضح الفساد، ويجب وقف هذا الجنون الذي تلبّس متعاطي السياسة.. في اتهام كل الناس، وجلد البلد كل يوم بأنها.. بلد الفساد!!.. وفضح الفساد يجب ان يوصلنا الى فضح الذين يتاجرون بهذا الشعار الدوني وتقديمهم الى القضاء، فهناك مواد في القانون تعاقب الذي يزعزع الثقة بالدولة!
مدير دائرة مكافحة الفساد لا يحب الاغتيال الاخلاقي وهذا حق. لكن الأمر يتعلق بالذي يلي.. الحكم!!.
(الرأي)