آخر محاصيل الإنترنت ما يسمى المخدرات الرقمية، وهي تحمل الأسماء ذاتها لأنواع المخدرات التقليدية، وحين قرأت عنها ظننت أن الأمر لا يتجاوز الفانتازيا، لكن حين أغلق في لبنان عدة محلات متخصصة في تغييب الوعي من خلال موسيقى سامة، أصبح الأمر جدياً، وبقدر ما فهمت من حوار أجري عبر إحدى الفضائيات مع متخصص في مقاومة هذا الوباء الإلكتروني فإن التلاعب يكون خلال موسيقى صاخبة بحيث لا يكون تلقي الأذنين معاً للإيقاع ذاته بل عبر تفاوت في الصوت يحدث خللاً في أعصاب الدماغ وهو ما يؤدي إلى التخدير!
هكذا يجري للمرة الألف توظيف التكنولوجيا لأهداف مضادة، وهذا يذكرنا بالسجال الذي دار قبل أعوام حول ما سمي نظرية العلم للعلم على غرار نظرية الفن للفن التي حاول دعاتها نزع البعد الأخلاقي منها، وكان الاستنساخ هو المناسبة لإثارة ذلك السجال، فالعلم الذي ينزع منه الدسم الأخلاقي يمكن أن يتحول إلى تصنيع ماهر لجرائم، فتطوير أدوات التعذيب ينتمي إلى هذه الصناعة وحين كتب ميشيل فوكو كتابة الشهير عن تاريخ التعذيب في الغرب بدءاً من فرنسا جعل من تعذيب المسيو دميان نموذجاً فقد تم تعذيبه بإشراف طبي بحيث تربط أعضاؤه بحبال تجرها الخيول، ويتم تمزيق أنسجة الجسد بأساليب طبية تحول دون الموت السريع للضحية، فالمطلوب ممن يجري تعذيبه أن يبقى على قيد الحياة كي يبقى على قيد الألم، فالموت يحرره؛ لهذا تحرص السجون على تجريد السجناء من أية أدوات تمكنهم من الانتحار لأن الموت يصبح في حالات معينة كالتي تحدث عنها «فوكو» خلاصاً ومطلباً عزيزاً.
والعلم الذي كان على الدوام سلاحاً ذا حدين قدم منجزات لأجل البشرية كالانقاذ من الأوبئة لكنه قدم -أيضاً- أسلحة مبيدة والإنترنت وما تفرع عنه ليس استثناءً في هذا السياق، فهو مصدر للمعرفة بقدر ما هو مصدر للتدمير النفسي والكوارث الاجتماعية؛ لأن المسألة أولاً وأخيراً هي في كيفية التعامل مع المنجز العلمي فالهاتف والفاكس كانا في وقت ما نعمة لتوفير الوقت والجهد ثم تحولاً إلى أدوات لتدمير الوقت وتكريس ثقافة النميمة.
المخدرات الرقمية بدأ المتخصصون يأخذونها بجدية؛ لأنها تؤدي إلى النتائج الكارثية ذاتها بدءاً من الإدمان حتى مختلف أشكال الجنون.
(الدستور)