بدأت محكمة الجنايات في المفرق بمحاكمة سبعة متهمين بمحاولة الالتحاق بالتنظيمات "الجهادية" في سورية؛ بينهم حدثان، بالإضافة إلى امرأة، معها طفلان صغيران، حاولت الالتحاق بزوجها هناك، لكنها عادت بهم وسلّمت نفسها للقوات المسلحة الأردنية، بعدما فشلت في اجتياز الحدود، كما أخبرني المحامي موسى العبداللات الذي يتولى الدفاع عن عدد كبير من المتهمين بهذه القضايا.
مثل هذا الخبر أصبح، بالنسبة للقرّاء، أمراً يومياً وحدثاً عادياً؛ فمن الطبيعي أن نقرأ في كل صباح عن محاكمة متهمين بالالتحاق بتنظيم "داعش" أو "جبهة النصرة"، والحكم عليهم بالسجن لمدد زمنية متنوعة ومتعددة. وإذا كنا لا نملك رقماً حاسماً حول عدد الأردنيين هناك، فإنّ التقديرات تتحدث عن قرابة 2000 شخص (وفقاً للعبداللات 3000 شخص)، فيما يحاكم ما يقارب 170 شخصا بتهمة محاولة الالتحاق بهذه التنظيمات، أو العودة منها.
وإذا كانت الأوساط السلفية الجهادية تتحدث عن عدد محدود من "الزوجات" اللواتي يحاولن الالتحاق بأزواجهن، أو يصطحبهن أزواجهن إلى المناطق التي يسيطر عليها "الجهاديون"، فإنّ المشكلة تتمثل في الآونة الأخيرة في أنّنا تجاوزنا مرحلة "الأفراد" المتأثرين بأيديولوجيا السلفية الجهادية، وبتنا نتحدث عن "عائلات" جهادية، أو بعبارة أدق "مجتمع مصغر" ينمو في أحشاء المجتمع، ينتمي إلى هذا التيار، مع صعود جيل جديد من الأطفال والفتيان والشباب الذين ينتمون لهذه العائلات. وهو ما يعقّد من مستوى المشكلة القائمة، ويعطيها أبعاداً اجتماعية وقانونية وإنسانية عميقة.
في الآونة الأخيرة، برزت معضلة حقيقية؛ إذ لا توجد لدى الدولة سجلات موثقة مؤكدة حول من يُقتلون في ساحات القتال (الحديث حالياً عن ما يزيد على 300 أردني)، ما يؤدي إلى مشكلات حقيقية في المحاكم النظامية في موضوع إثبات الوفاة والإرث والزواج والطلاق. وهذا أمر خطر وحساس، يتطلب تفكيراً من الدولة في كيفية التعامل معه، بخاصة أنّ المسألة لا تخص المشاركين في هذا القتال وحدهم، بل عائلاتهم وأسرهم.
الطرف الآخر من المشكلة يتمثل في محاولة زوجات أو أرامل أردنيات العودة من أراضي القتال في سورية (مع عدم السماح لهن من قبل السلطات الأردنية بعبور الحدود) بصورة غير مشروعة. وهذا أيضاً جانب إنساني يتطلب قراءة ورؤية أعمق؛ ففي النهاية هن أردنيات، يحاسبن هنا، لكن بعد أن يتم تأمينهن وإعادتهن.
إذن، نحن نتحدث، عملياً، عن ظاهرة مقلقة فعلاً، ومتزايدة؛ وأصبحت تتجاوز الصورة التقليدية، كما ذكرنا سابقاً، من غلبة أبناء الطبقات الفقيرة غير المتعلمين، على طبيعة هذا التيار. إذ لدينا اليوم نسبة معتبرة من المتعلمين والجامعيين والحاصلين على شهادات عليا، ويتمدد التيار عامودياً أيضاً ليصل إلى أبناء الطبقة الوسطى الدنيا.
أردت أن أضع بعض أبعاد هذه المشكلة أمام المسؤولين والمعنيين، قبل الوصول إلى الإقرار النهائي لاستراتيجية مكافحة التطرف، لأنني أعتقد أنّ القصة أعمق من الأفكار الأولية التي نسمعها عن هذه الاستراتيجية، بحيث تستدعي مزيداً من المشاورات والحوارات التي يشترك فيها قانونيون وعلماء نفس وعلماء اجتماع وخبراء وسياسيون، بعد أن يتم إطلاعهم على البيانات المهمة لدى الدولة، والتي تحتفظ بها وتصر على ألا تشارك أحداً فيها!
الإعلام له دور مهم مغيّب في عملية بناء الرسالة الإعلامية الموجهة للعائلات والأسر، قبل أن تتفاجأ بأبنائها في هذه التنظيمات. وهناك دور كبير مغيّب أيضاً في السجون والإصلاحيات ومراكز الأحداث، عبر علماء وفقهاء ومثقفين، لإقناع الشباب الذين التحقوا بهذه التنظيمات. وهذا يتطلب تشريعاً خاصاً لإعادة التأهيل وإطلاق السراح المشروط.
باختصار شديد؛ المطلوب شراكة حقيقية، ورؤية تتجاوز الصيغة الرسمية السطحية واحتكار التعامل مع هذه المشكلة الكبيرة، لأن المؤشرات والإشارات تؤكد أنّها مشكلة في مرحلة النمو والصعود والتدحرج.
(الغد)