يا دكتور .. "من سلّمك منحره لا تنحره"!!
د. وليد خالد ابو دلبوح
23-11-2014 02:43 AM
استوقفني هذا المقطع في المشفى مع أبي رحمه الله ... وقبيل دخوله غرفة العمليات ... تخرج من بين جنبات الغرف الزرقاء ... نظرات رمادية حائرة ... تقص علينا لسان المجرد من الواقع والحال ... قصة الدنيا والاخرة .. بايجاز وفي ثوان معدودة ... قصة انسان غادر ... يقص تجربته لاتسان قادم ينتظر ... وانا أقف بينهما لأسردها ... فقط الى أولي الألباب!
نظرة الى الأسفل ... الى الدنيا ... مودعة صامته ... ونظرة اخرى الى الأعلى ... نحو السماء ناطقة مناجية ... وعجلات سرير أبي تدور وتهرول لا تمل ... تشقى في واجبها الصباحي كالمعتاد فلا تهدأ ... قطار مكوكي يؤدي واجبه بأمانه ... يصل السماء بالأرض .. من والى غرفة العمليات ... فيه تتشقق لوحات تذكارية يستذكر المغادر فيها صوره الأرشيفية منذ أن ولدته أمه في ثوان معدودة... بجمالها وقبها ... وبعظيمها وصغيرها ... مستودع التاريخ ينفجر حينها ... ولترتسم صور المتناقضات من الالوان ... الخير والشر والندم والرضى والعتاب ... البوما يضم وجوها تنقبض عابسة تارة ... ووجوها تنبسط راضية تارة اخرى .. وهاهي نظرات أبي "تتلعثم" ماذا تقول في لحظات يحسبها معدودة ... بين دنيا فانية قد لا يراها ثانية ... وبين أخرة باقية سيعيشها خالدة!
عند عتبة غرفة العمليات ... هناك غير بعيد ... كان الطبيب الذي يجهله أبي لسنوات .. أقرب اليه مني في لحظات .. وأعز عليه من وليده وفلذة كبدة ... أقرب اليه من حبل الوريد ... فهو يملك روح أبي من بعد الله بقبضة يده ... فتمتد يد أبي فجأه نحو الطبيب ... يد تتشبث الدنيا وتمزق ما يخشاه أبي ... لتنهر ساعد الطبيب ... تنطق محذرة ولكنها راجية ... وينطق من بعدها لسان أبي ليقول ... "يا دكتور ... استحلفك بالله ... من سلّمك منحره .. لا تنحره" ... ابتسم الطبيب حينها وقال ... توكل على الله يا أبو الوليد ... توكل على الله يا أبو الوليد!!
كم ذات مرة ... استحلفنا الوطن بأن لا ننحره؟!
ومن هنا نتسائل ... كم ذات مرة ... استحلفنا الوطن ... بأن لا ننحره!!! وكم ذات مرة نحرناه ... وحلفنا فيه وبحبه وحبات ترابة .. الذي بيع أمام مراى الجميع حبة حبة؟ أيها المسؤول هنا وهناك ... تذكر انك مدد على ذات السرير يوما ما غير ذي بعيد ... فعجلات هذا السرير لا زالت تدور ... قادمة اليك لا محالة ... بذات السرعة ونفس الايقاع ... انها مسيرة مخلصة لا تعرف اليأس ... فانتقي يا هذا ... تلك اللوحات والألوان التي ترسمها اليوم ... والتي تتمنى ان تستذكرها في رحلة السرير في ثوان معدودة يوم غد ... وتذكر أن الوطن سلمك منحره ... فايّاك .. ايّاك ... أن تنحرة!!
الخانمة: الخوف من العبد ... لا يكفي!
نقول هذا لأن ... الوضع السائد اليوم يعود الى أسوأ من حال حقبة ما قبل فزاعة الربيع العربي .. وعاد استقواء جبروت الافراد على المؤسسات من جديد ... ولأن تحمل المسؤوليه ... والانتماء عندنا .. لا يُجبل من الوعي والحرص والحب .. بل يصنع من الخوف ... والخوف من الانسان فقط لا غير ... عندها لا يسعنا الا ان نقول ... تقوى الله أهم وأبقى ... واتقوه في أوطننا .. يا أولي الألباب!!