يتمتع الشعب الطيب في المدينة القديمة على رؤوس الجبال بحس مرهف ولياقة شديدة لدى تعاملهم مع الآخرين، ولهم في أصول ذلك الفن علم ودراية وأداء في غاية الرقي. فرغم تبسطهم في الحديث والتصرفات، بحيث يظهر للرائي ولأول وهلة كأنهم يتصرفون على سجيتهم وببساطة متناهية، إلا أن الأمر عكس ذلك تماما. فكل ما يفعلونه ضمن علاقاتهم الاجتماعية أو السياسية يستند إلى إرث طويل من العادات والتقاليد.
الشواهد على ذلك كثيرة ولا مجال لذكرها، لكن لنأخذ منها عشوائيا وعلى سبيل المثال "آداب الزيارة". فتراهم إذا أراد أحد منهم أن يزور صديقا أو عدوا لبحث ما هو جديّ، فإنه يحرص دائما على أن تكون تلك الزيارة في وقت ملائم ظرفا وتوقيتا، وذلك حتى يضمن انتباه واهتمام الصديق ويضمن أيضا ألا يسبب له حرجا.
ومن الأمثلة على ذلك أيضا، أنه عندما يجتمع أفراد الأسرة الواحدة أو العشيرة لبحث شؤونهم، فهو بالتأكيد ليس وقتا مناسبا لأن يقوم أحد الغرباء بزيارتهم. وإذا كان أعضاء تلك الأسرة أو العشيرة لا يتفقون بشكل كامل على رؤية واحدة تجاه قضاياهم، أو أنهم لم يتوصلوا الى مرشح إجماع للانتخابات القادمه مثلا، فإن الشعب الطيب في المدينة القديمة في الغالب يحجمون عن زيارتهم قائلين: لا يجوز أن يكون عدم إجماع هذه العشيرة سببا أو مبررا ليقوم أحد ما بزيارتهم بينما هم يتباحثون في أمورهم، الأمر الذي سوف يغضبهم ويثير شكوكهم في نوايا الزيارة الحقيقية. ويضيفون قائلين: حتى وإن كانت النية طيبة وتهدف فعلا لخلق بيئة سليمة للتوافق بين أعضاء الأسرة أو الأقارب، فإن التوقيت سيبقى محط سؤال.
بعض الناس ورغم ما سبق قوله، يصرون أن يزوروا تلك العشيرة التي لم تحظ بمرشح إجماع، لعقد تحالفات انتخابية معهم، وهذا في عرف الشعب الطيب غير مقبول أيضا، فتراهم يقولون: كيف لأحد ما أن يبرم اتفاقا أو تحالفا في وقت ينهمك فيه أعضاء العشيرة أو العائلة في لقاءاتهم ونقاشاتهم وحتى خلافاتهم؟ ولماذا يضع الزائر نفسه وبعضا من الآخرين في موقف حرج من خلال تفرده بهم؟ وما مدى مصداقية جهود هذا الزائر؟ أو ما هي قيمة أي اتفاق يبرم في مثل هذه الظروف؟ ويتساءلون أيضا عند وقوع مثل هذه الأحداث: إن كانت الرغبة حقيقية بنجاح المهمة؟ أم أن الجهود مبذولة فقط لإظهار نشاط الزائر وتسليط الضوء على حراكه، بينما يعلم بشكل تام أن ذلك سيزيد الأمور سوءا؟
أتساءل أحيانا، إن كانت وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس تفكر في أي من ذلك.
غن الغد .