حين تقف وسط دائرة مُقفلة ... تدور حول نفسك ترى كل شيء ولا ترى المخرج ... تُمسك كل المفاتيح بيدك لكن الأقفال صدئة أوحتى غير موجودة إلا في حياة نعيشها على التكرار والتكاثر والنمو الغريزي ثم الحمل أو الجر نحو قبور بحجم شرق يَدفن رأسه تحت الأرض .

متاهة المولودين من شقوق تاريخ هشّ... صنعه السماسرة وصدّق عليه شُهود الزور ... وامتثلنا لبطولات يرويها لنا الآباء عن أجداد حملوا أوسمة الشرف والصمت .

قد يكون ما ينقله لنا التاريخ صادقا ... علم ... معرفة ... اكتشافات ... حضارة ... ترف . وفي نهاية السطر لا شيء مما ذُكر بقي على حاله ... نزلنا عن مسرح التاريخ إلى المستوى الذي نستحقه ... حيث لا يوجد نسيان إكراهي ... وإنما موت مع وقف التنفيذ يلتهمنا كلما اقتنعنا بلعنة (مارك سايكس وفرانسوا بيكو ) .

الاتفاقية السوداء الدرس الأول في تاريخ الوطن العربي ... معاهدة سايكس بيكو . الحكاية التي لا تنتهي ... والزمن الذي لا يتوقف . والشعوب المثخنة بالانحطاط والكوارث والخضوع المطلق لوعد تجسد إلى حقيقة ولم يكذب بلفور على اليهود وأعطاهم فلسطين بل وزيادة ربما كل الشرق ... لأنه ليس لدينا أدنى رغبة في الدفاع أو القتال ... إنا هاهنا نائمون... تائهون .... نًوزع مساعدات على ضحايا أنظمة مُجرمة أنشأها أناس مجرومون ونظن أن الله يغفر لنا ضعفنا .

مراحل الزهايمر أخذت تتوغل فينا أكثر ... كنا نذكر فتوحاتنا وانتصاراتنا ... ثم بعدها صرنا نبكي انكسارتنا وهزائمنا وتضامناً مع آخر ملوك الأندلس يحق للتاريخ أن يكتب مجلدا خاصا عن زفرة الشعوب الأخيرة التي نسيت جلادها وقاتلها وسارقها ... ولم تعد تذكر سوى يوم ولادتها ... للاحتفال بضياع يليق بجهل يعبث بنا .
هل هي الحقيقة التي بات علينا تصديقها ... فلسطين للفلسطينيين ... سوريا للسوريين ... العراق للعراقيين ... لبنان للبنانيين ... مصر للمصريين ...

أي خدعة نعيشها ... معاهدة لا تصلح إلا أن تكون في مزبلة التاريخ تنطلي علينا وتجعل وطنا بمساحة قارة ... مستنقعات من الدم وسجون متلاصقة ... تحاول الفرار من الأول فتجد نفسك في سجن آخر أكثر ظُلمة وأشد برودة ...

الغد سيفجعنا والمستقبل سيكون أكثر توحشا إن لم نستيقظ من هذا الداء ... فليس مهما في السياسة ما هو حق في الواقع أو ما هو موجود ... المهم هو بماذا يؤمن الناس أنه حق وأنه موجود ؟... فلنتذكر أن بلاد العُرب أوطاني وأن الحق كل الحق أن يكون وطني حُراً وحُراً .
نحن شعب واحد من الوريد إلى الوريد يعشق الحرية .