عمر الغزوة الصهيونية لفلسطين هو في مثل عمر الغزوة الأميركية لليابان.. ولا بأس من الاستفادة والاعتبار والتعلم من هذه التجربة التي هي على أي حال احدى الولادات الآسيوية المرة في القرن العشرين.
هذه التجربة اليابانية في مواجهة الغزوة الأميركية اختزلها الكاتب الأميركي (جورج مونيهان) في كتاب عنوانه (حياة ميشيما) المترجم إلى الفرنسية والألمانية والنرويجية والسويدية وقرأت ملخصاً مترجماً عنه بالعربية.
اليابانيون اعترضوا على انتهاك الرئيس الاميركي (هاري ترومان) القيم اليابانية القتالية بالقائه القنبلة الذرية على كل من مدينتي هيروشيما وناغازاكي فقد ألقى القنبلة من علٍ ولم يفعل كما يفعل أبطال السموراي الذين يواجهون أعداءهم وجها بوجه، وبالسيف لحسم المعركة.
كما اعترض اليابانيون على قيام الجنرال (ماك آرثر) قائد القوات الأميركية في المحيط الهادئ الذي لم يكن الشرط الأساسي له إلغاء المؤسسة العسكرية اليابانية وانما إلغاء لغة الروح داخل العقل الياباني.
لم يكن للياباني ان يصرخ: أيها الاميركيون اننا نريد استعادة جثثنا، ولأن الأميركيين لا يسمعون أبداً لأنهم لا يريدون أن يسمعوا ها هم يفتحون أسواقهم للسيارات اليابانية ولم تكن دبابات ملونة تزرع شوارع نيويورك وواشنطن ولوس انجلوس وسان فرانسيسكو بل كانت سيارات حقيقية وان كانت قد أثارت الهلع في نفوس أباطرة الفولاذ في الولايات المتحدة حينها قرر الرئيس الأميركي رونالد ريغان وقف الغزو الياباني؟!. قائلاً إنهم في شوارعنا.. و في جدراننا إشارة إلى السيارات اليابانية و الأجهزة الكهربائية و غيرها.
ويمضي البطل ميشيما في الكتاب يقول: ليس ثمة ياباني واحد يرى بضرورة اصدار طبعة جديدة عن هيروشيما، لا بد من موقف ابدي من القنبلة اننا لا نريد ان نقتل الهواء ولا أشعة الشمس ولا ذكريات المدن، لكننا نريد ان يشعر كل أميركي ان الحروق ما تزال ساخنة وحارة تحت الجلد الياباني على الرغم من الانهماك الياباني في اقامة امبراطورية الترانزستور بحيث اصبح اليابانيون في كل بيت في العالم بدءاً من الرئيس الأميركي الذي يقتني رجلاً آلياً وانتهاء بآخر بيت في موزمبيق حيث يستخدم اصغر موظف آلة حاسبة من صنع ياباني ربما لكي يحسب في آخر النهار أنه لم يشتغل شيئاً؟!.
ويرى البطل يوكيو ميشيما ان الياباني عندما يترك الدور للسيف يصبح قرداً أميركياً يركض وراء السلعة في أنحاء العالم كافة.
ليس المهم ان يكون في شقوق الجدران (اشارة إلى مكيفات الهواء اليابانية) وانما المهم ان نكون في الخلايا الدماغية للعالم وان لا ينسى هيروشيما التي لم تعد مُلكاً يابانياً وانما مُلكاً للزمن ووقفاً للضمير العالمي.
ويخاطب مشيما الأميركيين: أيها السكارى فوق كل أرصفة العالم لتتوقف كؤوسكم عن العمل دقيقة واحدة من أجل أرواحكم وأرواحنا وأوقفوا السلعة العبقرية التي تنتجونها وهي (الموت)...!!
وهذا يتفق مع الروائي الأميركي جون شتاينبك الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1962 الذي يعتقد ان أميركا تصنع كل هذه الحضارة من أجل كل هؤلاء الموتى في هذا العالم الواسع؟!.
(الرأي)