في ظل اتساع مدى مشاكل المؤشرات المالية وتفاقم بعضها، وتحديدا العجز والدين العام نتيجة تزايد الإنفاق الرسمي، يلح من جديد السؤال القديم بشأن إمكانية نجاح تطبيق مبدأ الاعتماد على الذات، استناداً إلى الموارد المحلية في إدارة شأننا المالي.
اليوم، يعتمد الأردن على المساعدات الخارجية؛ الأميركية خصوصا، والعربية بدرجة ثانية، للتخفيف من حدة مشاكله المالية، لاسيما تغطية عجز الموازنة، وتقليل حجم الدين العام الذي يتوقع أن يبلغ نحو 22.8 مليار دينار نهاية العام 2015، فيما كان سيبلغ نحو 24 مليار دينار لولا توفر المنح الخارجية المقدرة في مشروع الموازنة العامة بحوالي 1.128 مليار دينار.
فكرة الاعتماد على الذات تبدو رومانسية بعيدة المنال، مع تزايد الضغوط على الموازنة العامة، نتيجة تزايد الإنفاق الحكومي على مدى السنوات العشر الماضية من دون حساب لحجم الموارد المالية المحلية. فيبدو الحديث في الوقت الحالي عن التخلي عن بند المنح الخارجية، ترفا وتفكيرا غير منطقي، لصعوبة توفير الموارد المالية. كما أن طرح هذه الفكرة الآن قد يفهم على أنه دعوة مفتوحة لزيادة الضرائب، بمختلف أنواعها، على المقيمين في الأردن؛ لزيادة حجم الإيرادات المحلية، والمقدّرة حاليا بحوالي 7 مليارات دينار، جلها من الضرائب والرسوم.
لكنّ الصعوبات السابقة لا تعني التخلي عن الفكرة، وإنما السعي جدياً إلى جعلها ممكنة فعلاً. فالاعتماد على الذات لا يمكن أن يتحقق إلا في ظل بيئة صحية للأعمال والاستثمار، تؤدي إلى زيادة حجم المشاريع المولّدة لفرص العمل، والمفضية في الوقت ذاته إلى زيادة الإيرادات المحلية من خلال تحقق النمو الاقتصادي المطلوب؛ بدلاً من الإمعان في زيادة العبء الضريبي المقدر حاليا بحوالي 33 %.
والفكرة تبدو أكثر إلحاحا في ظل تسريبات محلية وإقليمية، تشي بعدم حرص الدول الشقيقة والصديقة على دعم الأردن حد تحقيق استرخاء في الوضع المالي؛ بل تبدي هذه الدول استعدادها لتقديم العون في حال استفحال المأزق الاقتصادي واقترابه من التحول إلى أزمة مالية متفجرة، قد تأتي على كل ما تحقق في الماضي!
هذا الواقع مدعاة لتفكير جميع المسؤولين بترتيب علاقة الأردن مع الآخر، والارتباط بتحالفات وعلاقات تحقق النفع الدائم للبلد، مع التخطيط لبلوغ حد الاعتماد على الذات مستقبلا، بشكل يعزز جبهتنا الداخلية في وجه التحديات الاقتصادية، لاسيما أن التحدي الأكبر الذي يواجه الأردن هو الاقتصاد، الذي يرتبط سوء أحواله باتساع مدى الفكر المتطرف محلياً، واستهدافه للشباب العاطل عن العمل.
منظومة العمل العربي المشترك صارت مجرد حلم لن يتحقق. والأفضل والأسلم للأردن التفكير في مصالحه، وحل مشكلاته بعيدا عن جيوب الآخرين. ومثل هذه الخطة قد تستغرق وقتا، وستحتاج برنامجا وطنيا للإصلاح المالي يراعي المعطيات السابقة.
الإيرادات المحلية المدرجة في موازنتي العام المقبل؛ للحكومة المركزية والمؤسسات المستقلة، تتجاوز 7 مليارات دينار. فيما يبلغ حجم العجز في الموازنتين 2.7 مليار دينار. ما يعني أن الحكومة تنفق المبلغ الأخير بالاستدانة أو المنح اللتين تتنافيان تماماً مع مبدأ الاعتماد على الذات.
الحلول متباينة، وتطبيقها يستغرق وقتا وجهدا. وانخفاض الإيراد المحلي نسبة للنفقات، كفيل بالقضاء على المبدأ.
"الاعتماد على الذات" فكرة نبيلة تستحق المحاولة. ويكون البدء بضبط النفقات أكثر، مع إيمان بأن كل فلس لا يصرف في محله له كلفه السياسية والاجتماعية الباهظة. ويكون ما سبق بالتزامن مع خطة إنعاش اقتصادي، وفكر حيوي لتجاوز كل معيقات الاستثمار.
حماية الجبهة الداخلية وتمتينها يقومان أساسا على إحداث التنمية المطلوبة، وتوجيه الموارد بشكل منتج. وهو ما لم يحدث حتى الآن. بل إن ما يجري يكرس فكرة توريط الأردن أكثر في الاعتماد على الغير.
إما أن نمضي نحو الفكرة، أو نواجه فكرة تخلي الآخرين عن المملكة في لحظة تنتفي فيها المصالح. والوقاية خير من الارتهان للمجهول.
(الغد)