سترتبك دهاليز وزارات الخارجية العربية , وسيضرب الوزراء الكف بالكف بعد عملية الاقصى البطولية , وسيتسلح الوزراء بكل كلمات الادانة وبعضهم سيعجز عن اختيار كلمات تليق بالمناسبة الجلل , وربما يتجرأ احدهم فيعلن ان العنف لا يولّد الا العنف , ثم يدين العنف بكل اشكاله وقد يشرب بعض الساسة من خارج المناصب الرسمية حبوب الجراءة ويعلنون ان العملية رد فعل على ارهاب الصهاينة وان الاحباط داخل الاوساط الفلسطينية يشجع على التطرف والانتحار .
الشارع لم يتلجلج لحظة وهو يعلنها بقوّة “ تسلم الايادي “ فالمقاومة مشروعة والعملية البطولية شفت جروحا كثيرة واثلجت صدور كثيرين , وليست الا مقاومة مشروعة وفق كل المعايير بما فيها معايير هيئة الامم العرجاء , وهي خطوة في طريق انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الثالثة التي ستعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية بأيدي ابناء فلسطين ومناصريهم من الاشقاء العرب والقوى الانسانية المنتشرة في اصقاع الكون .
العملية لن تزيد الالم الفلسطيني والمقدسي على وجه التحديد , ولن تستخدمها اسرائيل وحكومتها اليمينية ذريعة في تقتيل الشعب الفلسطيني فما يحدث في القدس وغزة وباقي مدن الضفة من قتل يومي مجاني أفسد كل الروايات الديبلوماسية لتبرير القاء المقاومة ارضا والاذعان لليمين الاسرائيلي الذي يتمدد كل يوم , بل ازداد حضورا في الساحة الاسرائيلية منذ اسقاط خيار المقاومة ومرشح لكسب مزيد من الارض السياسية في دولة الاحتلال البغيض .
بالمعنى السياسي العملية انتصار لمدرسة الواقعية السياسية , فالانظمة العربية اسقطت خيار الحرب منذ دخول مصر خيمة الكيلو 101 وتاليا توقيعها اتفاقية سلام مع اسرائيل , والعملية السياسية او السلمية سقطت بالتعنت الصهيوني , الذي حصل على تنازلات مجانية من الامة العربية جمعاء بعد مبادرة القمة العربية في بيروت 2002 , ولولا تمدد اليمين الصهيوني وظهوره كقوة على الارض السياسية في دولة الكيان الغاصب لتم دفن القضية للابد , فأنتجت المقاومة الصهيونية للعملية السياسية مقاومة فلسطينية من داخل الارض الفلسطينية تمارس فعل البطولة كل يوم ومن مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية .
فتجاوز الواقع الفلسطيني كل الوقائع السياسية واعاد انتاج مقاومته تارة بالسلاح كما في غزة وتارة بالدعس وتارة بالسكين وقبلها كان الحجر سيد الموقف , ولم يستثمر الكيان الرسمي الفلسطيني في المقاومة بل استثمر في الخلاص منها , فوقع اسير الواقع على الارض , الواقع الذي تجلّى في حصار السلطة الفلسطينية وقيادتها ورموزها من الراحل عرفات الى اخر اسم في القوائم التي تنتظر دورها على الحاجز كي تصل الى بيتها وليس الى خارج الجغرافيا الفلسطينية , فانتفض الشعب على الواقع بواقعية تشهدها الادوات المستخدمة في العمليات البطولية واخرها عملية القدس .
الواقع العربي منح الكيان الغاصب فرصة ذهبية في جثومه على الصدر الفلسطيني والعربي مدليّا اقدامه باسترخاء , لكن اليمين الصهيوني مشكورا رفض هذه الهبة العربية ورفض هبات متتالية من السلطة الوطنية الفلسطينية ليس اولها اتفاق اوسلو ولا اخرها الاقتتال الفلسطيني الداخلي وفشل كل محاولات الوحدة اكراما لعيون اسرائيل , والواقع له اشتراطاته وشروطه , وقد خالف اليمين الصهيوني شروط الواقع فدفع ثمن عدم واقعيته , بانه زائل لا محالة وان وجوده فاصلة عشرية في التاريخ ولن يكون وجوده كامل المواصفات رغم كل التنازلات الرسمية من القيادات الفلسطينية والقيادات العربية .
عملية القدس وباقي العمليات لن تزيد الواقع الفلسطيني بؤسا , بل ستجعل شروط الواقع افضل , فالكيان الغاصب يجب ان يدفع كلفة جرائمه وكلفة اغتصابه للمكان والزمان , والقدس كما كانت اولى القبلتين ستكون اولى خطوات الانتفاضة الحاسمة التي ستزيل الدرن والخبائث من الواقع الفلسطيني , فهي لن تحرر فلسطين ولكنها الخطوة الاولى لاستنهاض الهمة بعد فتورها وانشغال الجميع عنها لذلك نقول تسلم الايادي .
(الدستور)