«صاغيّة» والانهيار المديد
خيري منصور
18-11-2014 04:21 AM
أطلق كاتب عربي اتَّسمت اطروحاته بالجزرة على كتاب له من مئات الصفحات عنواناً يليق بالحقبة كلها، هو «الانهيار المديد» ورصد «حازم صاغيّة» في فصول هذا الكتاب، ما أصغى إليه خلال عقود فائتة من إيقاعات السقوط لكن هناك من لا يتعاملون مع المجردات أو بمعنى أدق المفاهيم لأنهم حسيون لا بد أن تقع عيونهم على الخراب لحظة سقوط ما تبقى من السقف العالق!
ويصح على هؤلاء القلة الذين ينطبق عليهم وصف ت. س. اليوت وهو مشاهدة الطائرة منذ لحظة الإقلاع وليس البحث عنها وهي تختفي بحجم عصفور بين الغيوم، لهذا تكون اطروحات من تفاجئهم الأحداث زلزالياً وبلا أي سابق حدس وتوقعات شبه جملة، الخبر فيها يبحث عن المبتدأ المحذوف بلا جدوى، فالفكر القومي ارتطم بآفاق مسدودة بعد أن جسدت النظم السياسية والأحزاب شعاراته واحتكرت حراكه على نحو يثير السخرية والإخفاق معاً، فالعاصمتان التوأمان للأيديولوجية القومية ذاتها دخلا في دراما هابيل وقابيل، وتم توظيف أنشطة اجتماعية ورياضية لترميم نرجسيات نازفة، فما لم يتحقق من نصر ضد العدو أصبح جاهزاً لإعادة تأهيله في حروب الأخوة الأعداء.
وفي تلك الفترة حدث تزامن دراماتيكي قلما يحدث بين انحسار الأيديولوجية القومية والأيديولوجية الأممية، فاليسار استدار مئة وثمانين درجة إلى اليمين كي يبدل خنادقه ويعلن حروبه على البيئة والتصحر والدفاع عن حقوق الإنسان في صيغ بالغة الالتباس الهدف منها المقايضة بفواتير تحت ذريعة المجتمع المدني.
إن التناقض الذي جرَّ الدراما القومية إلى ضواحي العالم النائية كان سببه الزعم بأن هناك نظماً سياسية وأحزاباً جسدت العروبة من ألفها إلى يائها، لهذا ما إن اسقطت التماثيل حتى بدت العروبة ذاتها هي النزيف لهذا ودعها «حازم صاغيّة» شأن الآخرين، وتحفظنا على ذلك هو أن الأخطاء الإعلامية تحولت إلى خطايا سياسية وكوارث بفضل مدرسة عبادة الفرد!
تلك التي حربت على نحو بالغ المرارة في الحرب العالمية الثانية، لكن ما ان أسفرت تلك الحرب عن خراب أوروبا ورسم أطالس جديدة حتى بدأت ردود الأفعال عنيفة ضد الأيديولوجيا وأوثانها السياسية ونذكر أن ما حدث في روسيا بعد ستالين دفع البعض إلى تدمير وتخريب كل منجزات ستالين بدءاً من السكك الحديدية، لكن هذه الفترات انتقالية ولا تدوم لكنها تملأ ذاكرة ضحاياها بالفوبيا خشية التكرار!
الدستور