عندما كان الصدام بين الإخوان المسلمين ونظام عبدالناصر في مصر في بداية الخمسينات من القرن الماضي، كان القرار محلياً وخاصاً بالحكومة المصرية، بل أن الإخوان أستفادوا–حينها–من الصراعات بين عبدالناصر ودول عربية عديدة، وفتحت لهم أبواب الخليج والأردن وأوروبا وأمريكا، وساهم هذا في تعزيز حضور الإخوان دولياً وبناء تنظيمات في كثير من الدول.
وحتى داخل مصر فإن رحيل عبدالناصر فتح لهم تحت حكم السادات بوابات للعمل لكن دون غطاء قانوني، وأمتد الأمر إلى عهد حسني مبارك، فكانوا محظورين لكنهم يخوضون الإنتخابات النيابية والنقابية ولهم مقرات علنية، وإن كان هذا لا يعني غياب أنواع من التضييق.
واليوم يعود الإخوان على قائمة الحظر والحركات الإرهابية في مصر ودول عربية أخرى وأهمها دول خليجية كانت متنفساً هاماً للجماعة باعتبارها ساحات مالية شعبية داعمة للإخوان وحماس، أو لكونها شهدت إنشاء تنظيمات للمغتربين من إخوان دول المنطقة، وأيضاً تنظيمات إخوانية لمواطني تلك الدول.
وكلما صدرت أنباء جديدة عن حكاية تصنيف الإخوان كحركة إرهابية كان التنديد الإخواني في الأردن مثلاً ودول أخرى بهذا الأمر، ونقول الأردن لأن الوضع السياسي – وليس القانوني – للإخوان لم يطرأ عليه تغيير حتى الآن، وأي تغيير سيكون وفقاً لقدرة الجماعة على إتخاذ سياسات وطنية معتدلة...
والسؤال :- هل يكفي من الإخوان التنديد بالأمر، أم أن هناك إجراءات وخطوات يمكن من خلالها للجماعة أن تخرج من قوائم الحظر وتصنيفها كتنظيم إرهابي؟!.
ومن الناحية السياسية فإن تجاوز الإخوان لهذه المرحلة ممكن، لكن ليس من خلال المسار والعقلية التي تدير بها الجماعة أمورها في المنطقة، وليس من خلال الإصرار على تحالفات هي بالنسبة للجماعة هامة، لكنها بالنسبة للدول مصالح متغيرة.
أمس كانت الإستجابة القطرية لمطالب دول الخليج بالإلتزام بإتفاق سابق، ونقول قطر باعتبارها الدولة الحاضنة للجماعة لكن من الأهم الإخوان أم دول الخليج عند قطر؟!
ومهمة الجماعة في هذه المرحلة صعبة لأنها تعاني من مشكلة في الإقليم، لكن أول الحلقات التي تحتاج إلى تفكيك هي مع الدولة المصرية، أي الوصول إلى حالة مصالحة مع الدولة المصرية، وهو أمر ليس سهلاً لكنه ممكن، وما يجعله صعباً ،القناعة لدى مصر ودول عديدة أن الإخوان أتجهوا للعمل العسكري والتفجيرات والتحالف مع تنظيمات متطرفة في إدارة علاقتها مع النظام المصري.
والمشكلة الأخرى التي تعاني منها الجماعة أنها دخلت محاور إقليمية سافرة العداء للدول التي وضعت الجماعة في صف الإرهاب، وحتى الدول التي لم تذهب إلى تلك المرحلة مثل الأردن فإن تجربتها مع الجماعة خلال سنوات الربيع أفقدتها الثقة بالجماعة وخطابها ومصداقية نهجها السياسي.
أما المشكلة الثالثة للجماعة فهي أنها عملت في بعض دول الخليج على إنشاء تنظيمات سرية من مواطني تلك الدول، وهي ترفض فكرة الأحزاب والتنظيمات، ولهذا فمشكلة الإخوان مع الإمارات مثلاً بدأت قبل الربيع العربي لهذا السبب.
ربما يراهن الإخوان على علاقتهم ببعض دول الإقليم لكن ماذا لو أستمرت دائرة التضييق عليهم، وماذا لو أصبح الحظر أكثر اتساعاً جغرافياً وسياسياً؟، لهذا فربما على الجماعة ومن بقي فيها من العقلاء أن تبحث عن الطريق لتفكيك مشكلاتها مع الإقليم، الأمر ليس سهلاً لكنه ممكن، والخطوة الأهم أن يكون لدى الجماعة قيادة قادرة تتخلص من الإرتباك الذي تدير به كل ملفاتها اليوم.
الراي