تصنف الدولة قانون المطبوعات والنشر الذي وافق عليه مجلس النواب منتصف العام الماضي بأنه "قانون عصري وحديث ومتطور".
وتسوق الحكومة لذلك مبررات وذرائع مفادها أن هذا القانون هو "الأول" في عمر الدولة الذي يمنع توقيف الصحفيين في قضايا المطبوعات والنشر، ويوفر فرصة كبيرة لهم في الحصول على المعلومات.
لكن هذه الذرائع التي تقدمها الحكومة "بمناسبة وبغير مناسبة" تبقى "واهنة وضعيفة" عند النظر إلى نصوص هذا القانون وتفنيدها.
فهذا القانون يشدد من قبضة التقييد المفروض أصلا على حرية الصحافة، في بلد يتعلق بحرية الصحافة فيه 24 قانونا تعيق تدفق المعلومات وتمنع حرية النشر.
لن أدخل في تفاصيل بنود هذا القانون وحيثياته، لكن ما استوقفني فيه عندما نظرت إلى بنوده خلال إعدادي لرسالة الماجستير حول "الذم والقدح عبر النشر في التشريع الأردني" الطريقة التي نظم بها القانون حق الصحفيين والإعلاميين في الحصول على المعلومات.
فالقانون "العصري" أكد حق الصحفي في تلقي الإجابة على ما يستفسر عنه من معلومات أو إحصاءات أو أخبار مالم تكن هذه المعلومات أو الإحصاءات أو الأخبار سرية بطبيعتها أو طبقا لقانون المطبوعات والنشر.
لكنه عاد وصاغ عبارات "مطاطة" حيث لم يحدد مدة معينة يجب على الجهات المختصة تزويد الصحفي بالمعلومة اللازمة خلالها إذا كان لها صفة اخبارية عاجلة، وهذا ما يتنافى مع الحق في الحصول على المعلومات ومع ذرائع الحكومة حول قانون المطبوعات والنشر.
وبرغم ذلك يمكن للصحفي الإستناد إلى قانون ضمان حق الحصول على المعلومات للحصول على المعلومة التي يريدها؛ إذ يلزم هذا القانون المسؤول بالإجابة على طلب المعلومة خلال ثلاثين يوما من التاريخ التالي لتقديمه، الأمر الذي يمكن القول معه أن "الصحفي ليس له هنا أي امتياز".
وحال رفض طلب الحصول على المعلومات فإن محكمة العدل العليا هي المختصة بنظر الدعوى المقامة من مقدم الطلب ضد المسؤول خلال مدة 30 يوما من اليوم التالي لانتهاء المدة الممنوحة بموجب القانون لإجابة الطلب أو رفضه أو الامتناع عن الرد عليه، وهو أمر "منطقي".
لكن هذا القانون "يعود ويغرق في عدم المنطقية" عندما يجيز لمقدم الطلب تقديم شكوى ضد المسؤول إلى مجلس المعلومات المشكل بموجب القانون في حال رفض طلبه أو امتناع المسؤول عن إعطاء المعلومات المطلوبة وخلال مدة 30 يوما يصدر خلالها المجلس قراره.
وهنا لنا أن نتساءل ماذا لو كان المجلس أصدر قراره في اليوم الأخير من مدة الثلاثين يوما؟
عندها ستكون مدة الطعن في القرار أمام المحكمة قد انقضت ما يحرم مقدم الطلب من التقاضي أمام محكمة العدل العليا، وهو أمر "غير منطقي".
ستبقى حرية الصحافة رهينة لنصوص قانونية لا تصاغ بعقلية انفتاحية تقبل الرأي والرأي الآخر، وستبقى خاضعة للهجوم الحاد ما دامت البيئة التشريعية تشد الصحافيين للخلف، وكأننا في زمن السلطوية الذي بات رفاتا وما زلنا نرزح تحت وطأته.