يحدد خبراء مقاومة الإرهاب ست جبهات واحدة فقط منها أمنية، أما الخمس الباقية فهي تشمل السياسة والاقتصاد والأحوال الاجتماعية إضافة إلى التأهيل الثقافي والتربوي، لكن ما يحدث ميدانياً قد يحدث تغييراً في الأولويات فالمجابهة الأمنية لا بديل عنها على الإطلاق في ظروف حرجة لأن الجبهات الأخرى متفاوتة من حيث الأعداد والإيقاعات، ومهمات كالتثقيف أو التأهيل التربوي لا تتم بين عشية وضحاها، وقد تستغرق عشرات الأعوام كي تؤدي إلى نتائج ملموسة. وتغير النسب بين الأمني والسياسي هو المجال النموذجي لتدخل النوايا فثمة دول أطلقت صفة الإفراط على دول أخرى عانت من إرهاب توقفت معه شرايين الحياة، لكنها ما إن عاشت التجربة ذاتها حتى نسيت أو تناست ما أدانت به الآخرين ذلك ببساطة لأن من يغرز أصابعه في الجمر ليس كمن يشوي البطاطا والكستناء عليه.
ولا نظن أن هناك دولة في العالم يتسع صدرها لنقد منسوب الحل الأمني إذا رأت أن مصلحتها تتطلب ذلك، رغم أن مصطلح الأمن القومي أصبح اليوم يستخدم على نحو بالغ المرونة والمطاطية والدول التي تلح على هذا الوتر تخسر من حيث تظن نفسها تكسب، لأن من يتعرض أمنه القومي للخطر لمجرد وقوع حادث هنا أو هناك يعترف من حيث لا يدري بهشاشة هذا الأمن، وقابليته السريعة للكسر. لكن هناك حداً لا يسمح بالاقتراب منه تراه كل دولة تبعاً لمكوناتها وما يحيط بها من جوار إضافة إلى ما يحدث أحياناً من تغيرات دراماتيكية مفاجئة تتطلب تدخلاً سريعاً لحماية أمن الوطن والمواطن معاً.
لهذا علينا أن لا نصغي بجدية إلى مواعظ دول لم تجرب فقدان الأمن ومنها من سخر قادتها من كل شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان عندما تعرضت للخطر، خصوصاً ما يهدد تماسك الدولة ككيان فالنظم تتساقط وتتعاقب لكن الدولة ليست كذلك، فإذا دالت ولو لمرة واحدة قد تنتهي إلى هذه النماذج التي نشاهدها الآن في بعض الأقطار العربية التي أعيدت إلى ما قبل الدولة والتأسيس خصوصاً بعد أن كان تفكيك مؤسساتها العسكرية هو الوصفة الأشد خبثاً في الاستشراق العسكري الجديد.
لقد مرت أعوام كانت فيها عبارة ما يسمى الإرهاب تتكرر على مدار الساعة في وسائل الإعلام وكأن الإرهاب لا وجود له ولا جغرافيا وأشبه بحرب الاله اندرا اليوناني مع الشيطان. وإذا كان الإرهاب يقاوم بمضادات ثقافية على المدى الطويل فإن جراحته أحياناً تكون عاجلة رغم ما تفرزه من أعراض جانبية.
(الدستور)