جهاد جبارة .. عطاء لا يتوقف
16-11-2014 01:59 AM
لم يسبق لي ان التقيت جهاد جبارة في جلسة او لقاء غير اللقاءات العابرة وقراءة ما يكتب من وقت لآخر.. ومتابعة اعماله يوم كان احد اعضاء فريق يسعد صباحك يطوف بجولاته ارجاء البادية والريف الاردني ليقرب لنا التضاريس البعيدة ويستجوب الكهوف والشجيرات ويصافح الصخور التي يهوى تسلقها والقفز من فوقها باحتفاء لا مثيل له.
في صوت جهاد رنة بدوية مشبعة باصداء اصوات الشيوخ والامراء الذين استوطنوا الصحاري والسفوح عبر آلاف السنين.. وفي هندسة ذقنه ترك جهاد بعض شعرات لتضلل ملامح الوجه كتعبير عن الحكمة التي تأتت لهم من عراك الايام فطبعوها كرتبة تدلل على انهم باتوا من اهل الحل والربط في ديارهم التي يتنوع فيها الرجال وطبائعهم.
قبل سنوات وابان اشغالي لموقع رئاسة مجلس ادارة الاذاعة والتلفزيون كنت اتابع كل ما تقدمه القنوات التلفزيونية والاذاعية.. واستقبل ملاحظات الناس حول اداء المؤسسة وانقلها الى المدراء.. بما في ذلك الاخبار التي كانت تظهر على الخطوط الملونة اسفل الشاشة.
في مرات عديدة كان بعض المقدمين لباقات الاغاني يضعون باقتين او ثلاثاً يعيدونها بشكل تبادلي ليلة بعد ليلة.. وقد خاطبت مدير الاذاعة آنذاك فعجب انني ألاحق هذا البرنامج في هذا الوقت المتأخر.
في يوم من الايام استوقفني طفل في الحادية عشرة من العمر بعد ان اعترض سيارتي وهو يرعى الاغنام في منطقة العالوك وقال لي انا بالله وبيك ان تتدخل لدى معسكر القوات الخاصة القريب من منازل اسرته لانني كتبت قصيدة بالملك وودي اوصلها له... فقلت له ما رأيك ان تقرأ قصيدتك على التلفزيون.. فاعجبته الفكرة..
واذكر انني ذكرت للاخوة المشرفين على برنامج يسعد صباحك حالة الراعي الذي تفجرت شاعريته ورغبته في ان يصدح بما جادت به قريحته من خلال برنامجهم... مع اني اعرف انه يعيش في خيمة لا يوجد فيها تلفزيون مما سيحرمه من نصف المتعة ان حصل اللقاء.
بعد ايام اتجه فريق صباح الوطن الجميل الى العالوك موطن الشعراء والمواهب والتقوا عددا من المزارعين والاهالي ومربي الماشية وبحثوا عن الراعي فلم يجدوه حيث اقتضت الحكمة الفطرية لوالديه ان تنتقل اسرته الى منطقة الحدود السورية استكمالا لرحلة البحث عما يطعم قطيعهم حيث الامطار اكثر غزارة والمرعى اكثر وفرة في بداية الكوانين وذهبت معه القصيدة وفرصة ان يقول شعرا قد لا يرى كيف سيبدو على الشاشة الفضية.
في تلك الحلقة التي غاب عنها الطفل الشاعر وحضر الجميع شاهدت جهاد جبارة وهو يتجول في التلال التي تحتصن بعضها البعض وتناظر السهول الممتدة شرقا وشمالا على امتداد البصر وسمعته وهو يحاور اشجار الزيتون ويطالع السنديان والملول والزعرور الذي انبعث من شقوق الصخور بفرح وألفة واحتفاء.
لقد اكتشف جهاد الكثير من معالم بلادنا... ورصد بكاميرته آثارها ونباتاتها وكشف لنا عن روحها وجمالها الذي نلمحه ولا نتوقف عنده كثيراً...
قبل ايام علمت ان الاخوة في مجلس ادارة الرأي اوقفوا جهاد عن الكتابة ليتوقف بذلك الدخل المتواضع الذي يتأتى له منها.
لقد ازعجني الخبر كثيرا لاسباب ليس اقلها ان جهاد يكتب في قضايا وامور لا يهتم غالبية كتابنا بها.. ولا يعلم كم تتيح لنا عدسته من فرص التعرف على بلادنا وكنوزها بعيون مجرب وعارف ومحب...
والثاني ان من غير المعقول ان تدير مؤسسة عريقة ظهرها لشخص احب بلاده واخلص لمؤسساته واعطى لها الكثير.. فلا يوجد لجهاد عمل آخر أو تأمين او اي هوى غير ما يهوى.
كلمت معالي رئيس مجلس الادارة الاستاذ سميح المعايطة ورئيس التحرير الاستاذ سمير الحياري وتمنيت ان يلتفتا الى حالة نادرة في فضائنا الواسع؛ فجهاد جبارة حالة تحتاج منا الكثير من التقدير والدعم.