كل شئ في هذا الكون المعجز ينطق بعظمة خالقه تبارك وتعالى ، ولو وطن الإنسان نفسه على التأمل مليا في موجودات هذا الكون من حوله ، لبدأ بالاكتشاف التدريجي لهذه العظمة التي لا تدانى ، ولتيقن تماما من حقيقة أنه غافل عن الحقائق المذهلة التى يعج بها الكون ، وكلها لم تكن يوما مثار لفت إنتباهه جراء غفلته وعدم إهتمامه ، وبعضنا يولد ويعيش ويموت ولا يكلف النفس وسط لجة الحياة مجرد التفكير بموجودات هذا الكون الذي فيه يحيا ، فهو غافل تماما لسبب بسيط جدا وهو أن إيمانه بالخالق العظيم جل في علاه ، سطحي لا عمق فيه حتى وإن كان ممن يؤدون العبادات .
ببساطة لو فكر المرء قليلا بالماء والهواء مثلا ، لوجد أن الماء وهو عصب الحياة على هذا الكوكب بلا لون ولا طعم ولا رائحة وانه يأخذ لون الإناء الذي يحويه ، فهل هناك مادة أخرى على الارض بهكذا مواصفات ، ولماذا خلق الله سبحانه الماء هكذا دون سائر مخلوقاته ، وكذلك الامر بالنسبة للهواء ، فنحن نستشعر الهواء ونحس به ، لكننا لا نراه ، ولا نملك ان نتلمسه بايدينا ، فلماذا كذلك خلق الله الهواء وهو شرط للحياة على هذا النحو ، ولماذا لا نراه ولا وهو يلامس أجسادنا ويمدنا بالحياه .
لنتصور لو ان للماء لون ، احمر او اخضر او اسود او اي لون آخر ، فكيف يمكن للانسان الذي يحتاج للماء على مدار الساعة كي يحيا ان يتأكد ان هذا الماء الذي يشربه نقي من الشوائب الضارة او القاتلة ربما ، اليست حكمة الله وإرادته ورحمته سبحانه من خلقت الماء بلا لون ولا طعم ولا رائحة كي يدرك الانسان ان هذا الماء الذي يشربه ماء نقي عندما يكون فاقدا لهذه الخواص ، والا فهو ماء ملوث وجب تجنب تناوله ، ثم لنتصور ان الهواء ذو لون هو الآخر ويمكن رؤيته ، فهل يمكن للانسان ان يبصر عندها ما دام هذا الهواء يشغل الحيز الفضائي كله ، وهل سيكون هناك ليل ونهار مثلا على النحو الذي ماثل في الكون .
نعم كل ما في الكون من حولنا ينطق بعظمة الصانع وهو الله جل في علاه ، وكل ما في الوجود من أحاسيس إنسانية هي دلائل ماثلة في نفوسنا وفي الآفاق على أن لهذا الكون خالق عظيم هو الله ، فألالم والخوف مثلا هما نعمتان عظميان من نعم الله ، وبدونهما لا تستقيم او تستمر الحياة ابدا ، ولنتصور مثلا أن الاحساس بالالم غير موجود ، وان الاحساس بالخوف كذلك ، فكيف يمكن للمريض او المهدد بخطر ان يسارع الى الطب او المكان الآمن كي يقي نفسه ، وما هي هذه الاحاسيس اصلا وكيف تخالط النفس البشرية ، اليست حالات معنوية غير مرئية او ملموسة ولا تدرك بالحواس الخمس ، فالانسان مثلا يرى الافعى في طريقه ، ولو لم يخالطه او يداهمه الشعور بالخوف لما تجنبها ، والانسان يمرض ولو لم يشعر بالم لقتله المرض دون ان يدري .
إنها نعم من كم هائل من نعم الله التي لا تحصى حتى وإن كانت غير مستحبة لقصور بشري في إدراك اهميتها ، فالله جلت قدرته ارحم بنا من انفسنا ، ولهذا فقد انعم علينا نحن البشر بنعمة الالم والخوف والحب والكراهية وغيرها كي نقي انفسنا ونحب ما يجب ان نحب ونكره ما يجب ان نكره ، الى آخر هذه المنظومة من القيم والاحاسيس إن كان لها نهايه .
هذه ملاحظات بسيطة لا عمق فيها ربما ، لكنها مدخل يدعونا نحن الغافلين ممن يمرون عبر هذه الحياة العظيمة بكل تجلياتها وتفاصيلها مرور الكرام كما يقال ، دون ان نفكر ولو قليلا بها وباسرارها وعظمة خالقها الرحمن الرحيم الذي وسعت رحمته كل شئ ، فنحن ننظر الى التراب مثلا في الجبال والسهول والاودية ولا يلفت انتباهنا ان هذا التراب اغلى واثمن من كل ثمن قيم ، ففيه عناصر الحياة كلها التي عرفتها الانسانية حتى الآن ، وفيها سبب بقائنا احياء نحن والحيوان والنبات على حد سواء ، وبعضنا يرى في التراب شيئا رديئا وبعضنا الآخر يقبله احيانا ليس لانه مخلوقا عظيما وإنما لانه تراب الوطن الذي يعتز به ويتفانى في حبه لهذا السبب فقط .
إنها حياة عظيمة في كل موجوداتها المادية والمعنوية لكن الناس او معظم الناس عن عظمتها غافلون ، والسسب هو انهم مساكين سلبيا غافلون جنحت بهم ليس الحياة وإنما زينتها ومغانمها حتى عن مجرد التفكير فيها وما اصلها ومن اوجدها والى اين هي نهايتها ، فالاحياء منهم يعتقدون ان الآخرين جميعا سيموتون لا محالة ام هم فيعيشون الى الابد ، ولهذا فلا شأن لهم في هذا الوجود العظيم الا بقدر ما يجنون منه من مكاسب ومنافع ورغبات وشهوات ومتع ، وما عدا ذلك فهم عنه غافلون ، وبعضهم لا يؤمنون بالله اصلا ويجادلون عبثا في عدم الايمان بالغيب ، ولا يقرون الا بالمحسوس ، ولو سألتهم إن كانوا يؤمنون بأن لهذا الفضاء الذي يغلف الكون حد ام هو بلا حدود لقالوا إن لكل شئ حد في هذه الطبيعة ، ولو اضفت للسؤال تساؤلا آخر عما هو موجود خلف الحدالذي به يقولون لما وجدوا جوابا سوى انه غيب . والحمد لله رب العالمين .