اذا كانت الرسائل التي يبعثها المعتدلون من الاسلاميين - وما أكثرهم - لم تصل الى الشباب الذين تورطوا في التطرف ودفعتهم الظروف الى فهم الاسلام على غير حقيقته، فقد آن الاوان لفتح صفحة جديدة من الحوار والمحاججة بين هؤلاء وهؤلاء داخل الساحة الاسلامية، لمعرفة ما يمكن الاتفاق عليه من قواسم، ولمحاولة الوصول الى قناعات مشتركة، بعد ان ثبت بان القطيعة والعزلة بين الطرفين أفرزت لكل طرف جمهوره، ومنهجه وممارساته، ان لم نقل “اسلامه” الخاص الذي لا يقبل التنازل عنه!
الحوار، اذن، هو الحل، ولدى الطرفين، المعتدل والمتشدد، ما يمكن بسطه وتناوله على اي مائدة تجمعهما معاً، وما دام ان الاسلام هو الارضية والمنطلق، وما دام ان اكثر المراجع الاسلامية المعتمدة والمقبولة لها فتاواها ومواقفها من اكثر القضايا التباساً وحساسية، وما دام ان المختلف عليه لا يتجاوز مسائل التكفير والجهاد والتغيير والتعامل مع الآخر، فان اقامة جسور اللقاء والتواصل والتلاقح الفكري، والتحاور على اساس “المصلحة” الدينية والدنيوية، ومن منطلق النصوص القطعية الثابتة، والاجتهاد المبني على اصوله، والحرص على وحدة الامة، هو الطريق الذي لم يبق غيره، للوصول الى هؤلاء الشباب والتأثير في قناعاتهم، وابراز ما نجتهد اليه في كل مؤتمراتنا حول حقيقة الاسلام وسماحته ونموذجه الحضاري الذين يتوازى فيه العفو مع الاستعلاء، والانفتاح مع العزّة، والتعايش مع الآخر واحترامه مع الاستعداد لرد عدوانه وكبح جنونه.
اننا نلتقي مع الآخر ونحاوره على اساس القيم الانسانية والمصالح المشتركة، ونمد أيدينا الى خصومنا من منطلق البحث عن الامن والسلام، فلماذا - اذن - لا نفكر بجمع اطراف المعادلة الاسلامية، معتدليها ومتشدديها، على الطاولة ذاتها، ولماذا لا نمنح الجماهير فرصة لمعرفة حجج هؤلاء وأولئك، ولماذا لا نبحث لديهما عن قواسم اسلامية مشتركة، وماذا يمكن ان نخسر لو توجهنا بالخطاب الاسلامي المعتدل الى ميدان “المحاججة” والمناظرة مع غيرهم من دعاة التشدد ومن الشباب الذين اندفعوا - لاسباب كثيرة - الى العنف او التكفير.. او الى الجهاد المسلح، بعد ان ظل خطاب الاعتدال محصوراً بين المعتدلين.. وفي قاعات المؤتمرات.. وضل طريقه الى من كان يستهدفه في الاصل.. ومن توجه - في الاساس - اليهم من جماعات التطرف وحركاته التي ما تزال رهينة السجون او الاعتقالات او المنع والنفي والتشريد.
لدينا في العالم الاسلامي تجربة، فقد انتهت جماعات التكفير والعنف في مصر الى مراجعة مواقفها، وعادت عن كثير من فتاواها ومواقفها، وكان يمكن لأي حوار بين الحكومة وبين هذه الجماعات ان يؤسس لحالة جديدة من التفكير والتغيير والتعايش.. كما انتهى بعض الشباب في بلادنا الى مثل هذه النهاية، وما زال الباب مفتوحاً امام آخرين.. لكن المهمة الكبرى تقع على عاتق دعاة “الاعتدال” ومرجعياته، فبوسع هؤلاء ان يبدأوا من اول السطر.. بدعوة كل الشباب المصابين بمرض التطرف وآفة التكفير والعنف الى الحوار والمحاججة.. وان يسمعوهم ويدحضوا افكارهم بالدليل.. وأحسب انها الطريقة التي بقيت لنا لمحاصرة مناهج الانحراف وتجفيف ينابيع “التطرف” وابراز الاسلام كما نراه جمعياً.. بعيداً عن شبه الارهاب والتطرف والتنطع والغلو وسوء الفهم.
(الدستور)