في غير مكانه ولا حتى زمانه ..
د. هاني البدري
13-11-2014 02:14 AM
ليس له من أمره من شيء، وليس عليه أن يكون هنا في هذا المكان، هكذا دون حراك، حتى دون أن يدري ما هو فاعل بنفسه وبالآخرين وبمحيطه.
هو، لا يعرف حتماً لماذا أتى إلى هنا ولا يعرف لماذا سيغادر، تماماً مثل الكثيرين من مسؤولينا وأصحاب المناصب التي يغادرونها دون أن يعوا لماذا؟
دارت الدنيا به، فوجد نفسه هنا، في خضم الحركة وبين الناس وعلى عيون الأشهاد.. صامتٌ، ساكتٌ، بليد.. لا ينطق حتى مع كل ما يسببه من أزمات وما فعله من إيقاع على حركة الناس.
لا ينطق، مثل الكثير من المسؤولين المُتوجين على قمم الوزارات والدوائر دون حراك، اللهم إلا بكثير من الأخطاء المتلاحقة والعثرات المتتالية، لا كلمة حتى!
لا يستقيل، لا يعترف بخطأ، لا يدرك ولا يمكنه أن يعترف بخطئه وخطأ من أتى به، وأن وجوده هنا مجرد (غلطة) وأن توسطه حياتنا ليس له إلا أن يعكر صفو أيامنا، فوق كل ما تعكرها من فوضى القرارات وتعثر السياسات وضبابية الاستراتيجيات وتدني الأداء وارتفاع الأسعار وتفشي الضرائب التي لا تحمل اسماً إلى "اضافية".
هو هنا فقط، لأنهم أرادوا له ذلك، دون حتى استشارة ولا سؤال من أثر بهم وجوده، وتحولت حياتهم لأزمة خانقة مستمرة بسببه.
هو الذي بلا سبب زُرع في صباحاتنا، فلم يطرح إلا ضياعاً للوقت ومزيداً من الأزمات، وكثيراً من التخبط، مثل مسؤولين جدد، عُينوا فقط لأنهم (دماء جديدة)، لكنهم لم يفلحوا بأن يكونوا جديدين بشيء ولا جديرين بشيء أيضاً.
حتى هيئته، لا تشي بأنه هنا لخير أو لايجاد حلول لمشكلة، في طلته أزمة وبطول صمته أزمات وإعاقات.
حتى حين تسأل، لماذا أتيتم به؟ مثل أولئك الذين يعينون في مناصب ومراكز ودوائر دون سبب يذكر، وبلا تاريخ أو سيرة ذاتية أو مهنية تشفع لهم، تأتيك الحجج والادعاءات من كل صوب وحدب.
يقولون لك، لا لا.. هو جيد وملتزم بحلحلة كل المشاكل العالقة، وقادر على حل الأزمة المحلية المحيطة، هو هنا لإنقاذ مواطنين من كوارث يمكن أن تقع، هو هنا من أجل حقوق الإنسان.
لم يع حتى هذه اللحظة أنه هنا في الدوار الرابع حيث مصنع القرارات ومطبخ الاستراتيجيات، وأنه مطل على حركة كل الناس مُطلعٌ على أنفاسهم التي ينفثونها غضباً حتى يلتقوا به، يتابع دخانهم الذي يملأ السيارات ويجتاح النوافذ، يراهم وهم يتحدثون بهواتفهم الخلوية واصفين المشهد بالكوميدي.
لم يكن هنا أي أزمات، قبل أن يشرف صديقنا، بل مثل الكثيرين من الوزراء والنواب والمدراء، زادوا الدنيا أزمات وعاشوا في حياتنا مشاكل ومعيقات، هو مثلهم تماماً.
لا تعليق، يقولها بصمته في كل لحظة، حتى حين يتسبب في (دربكة) المشهد وتكدس الأزمات وبطء الحركة ووقف انسيابية الحياة.. لا تعليق.. تماماً مثل الوزارة التي واجهت أزمة اختطاف الطفل بداعي تسوله واختفى عن بيته وعيون أمه.. أسبوعاً كاملا قبل أن تكتشف الخطيئة ويعود ليجد أن عائلته تحطمت قبل أن تتهشم نفسيته.. لا تعليق!
مثل آخرين أخطأوا وما زالوا يعبثون في حياتنا خطأ تلو خطأ، ويصمتون، لا تعليق، حتى لا يعتذروا.. كما هو القابع هنا عند الدوار الرابع.
هو ببساطة، مثل بعض من انتخبناهم خطأً أو بعمد أو حتى بثمن، لا يملكون من أمرهم شيئا إلاَّ بما يتيح لهم المكان والزمان، ببعض المزايا وكثير من المكتسبات.
هو هنا في زهران أجمل مناطق عمان وعلى إطلالة بهية لأرقى أحبائها وأعرق بيوتها، مثلهم.. يتيح لهم المكان والزمان بعض المكاسب، لكنه.. يُدعس كل يوم آلاف المرات حتى يستقيم بلا جدوى.
إنه الوشمة الجديدة في وجه العاصمة، حالة التدني الذي وصل إليه اتخاذ القرار فيها، دون دراسة أو مرجعيات.. هو مثل بعض أصحابنا المتربعين دوماً، في طريقنا، لا فائدة منهم ولا جدوى من أدوارهم سوى مزيد من الصداع والتراجع في الأداء العام وخدمة المواطن والتقدم في تطويل الإجراءات وتعقيد المعاملات، وطرد الاستثمارات.
هو مثل أشياء كثيرة في حياتنا، هو ببساطة، المطب الجديد الذي أتحفتنا به أمانة عمان بين الدوارين الرابع والخامس، حتى لا تذهبوا بمخيلاتكم بعيداً!
(الغد)