داعش و الإسلام السياسي ..
13-11-2014 12:51 AM
اخترت الكتابة عن داعش ، ليس بسبب ما تشكله من خطر على بلادنا من خلال ما يسمى( دولة الخلافة) في العراق و الشام ، و ما تتناقله وسائل الإعلام عن انتهاكات هذه الحركة لحقوق الإنسان من خلال ما ترتكبه من مجازر و قطع رؤوس و اعتداءات و نهب لأموال و أرواح كل ما هو ( غير داعشي ) بما في ذلك المسلمين أنفسهم ، ليس بسبب كل ما سبق فقط على الرغم من أهميته ، و لكن لارتباط أعمال هذه الحركة و مثيلاتها بما عُرف ب( الإسلام السياسي ) أي تسييس نصوص القرآن و السنة من خلال تأويلها لاستنباط أحكام و مبادىء سياسية شكلت عند هذه الجماعات قناعات راسخة هي المصدر الرئيسي –للأسف- لما تقوم به من انتهاكات ،
بالتأكيد جماعة كداعش ، و كما تشير المعلومات من شهود عيان ، اعتمدت بأغلبيتها على مرتزقة من دول عدة لا ناقة لهم و لا جمل في الفكر الإسلامي السياسي و لا بمخططاته ، لكن هذا لا يمنع أن وجود مؤيدين و بكثرة في بلادنا و منها الأردن لنهج هذه الحركة أو لمبادئها على الأقل ، دليل قاطع ، برأيي ، على قوة تأثير الدين في السياسة ، و يبدو الأمر جليا في تنظيمات عالمية أكثر قوة كتنظيم القاعدة الذي ضم عقول جبارة في المجالات العلمية المختلفة ، و الإخوان المسلمين أقدم تنظيم سياسي عرفته المنطقة و إن كان أقل عنفا في نهجه ، من هنا نتسائل : هل كان الإسلام دين سياسة ؟ هل ورد في النصوص القرآنية أنظمة سياسية واضحة و محددة لنظام الحكم ؟ هل حدد شكل السلطة أو طريقة تبادلها أو الوصول إليها ؟ في الواقع ، من خلال دراسة مستفيضة لتاريخ الدولة الإسلامية ، و من خلال ما ذكرته المصادر العربية ، يتضح لنا أن الدولة وقعت بعد وفاة الرسول مباشرة في مأزق شكل السلطة و كيفية تنظيمها لأن القرآن الكريم الذي ناقش كل ما يعني المسلمين في شؤون الحياة ، لم يتطرق إلى هذه النقطة فكانت متروكةً لاجتهاد المسلمين بما يناسبهم ، فكان الاجتهاد الأول باختيار كبار الصحابة لأبي بكر ثم اجتهاد أبو بكر بالتنصيص على عمر بن الخطاب ضمن نطاق صغير من الشورى ، ثم كان اجتهاد عمر بحصر الاختيار ضمن لجنة من ستة أشخاص لمدة تحددت بثلاثة أيام ، و بموت عثمان بن عفان مقتولا عقب انقلاب عسكري من الجنود على الخليفة ، كان اختيار علي بن أبي طالب في ظرف عصيب استمر طوال حكمه حتى مقتله و انتقال السلطة إلى معاوية ليبدأ شكل جديد و هو الورائة الذي عانى أيضا من الاضطراب في موضوع ولاية العهد ، فكان نظامه عند المسلمين مضطرب بين اختيار الابن الأكبر و أحبانا أحد الأبناء بغض النظر عن السن و في حالات أخرى الولاية للأخ بعد أخيه ، و ساءت الأوضاع بالمبايعة لأكثر من ابن بولاية العهد كما فعل العباسيون !!!
لم يرد تنظيم سياسي واضح في الإسلام ، و بالتالي تُرك مجال السياسة لاجتهاد و حرية الأفراد و قناعاتهم ، كما قام بذلك كبار الصحابة الأوائل ، فبأي منطق إذن يفترض أي تنظيم سياسي أو حركة سياسية أنها الشكل الشرعي الوحيد للحكم في الإسلام ؟؟؟ هنا يأتي تسييس النصوص الدينية ، و الذي شارك فيه للأسف فقهاء الأمة و علمائها منذ عقود طويلة كوسيلة لحل لأوضاع سياسية شائكة عانى منها زمانهم ، و بدعم من خلفاء المسلميين و تأييدهم ، لتأتي داعش و القاعدة و غيرها في عصرنا الحالي لتمسك هذه النصوص الموضوعة لظروف خاصة ظهرت في زمن محدد و تُسقطها على عصرنا الحالي بحجة ( إقامة الدولة الإسلامية الحقيقية) و ذلك لكسب تأييد المسلمين من جهة ، و لتحقيق مكاسب خاصة من جهة ثانية، أما النتيجة الواضحة للعيان و التي نراها بوضوح أمامنا فهي : الاساءة الفادحة لديننا الإسلامي عربيا و عالميا ،و خلق النعرات و الأحقاد بين أتباعه من المسلمين ، و بين المسلمين و إخوانهم من أهل الديانات المختلفة من جهة أخرى !!!! الإيزيدية و الصابئة بالإضافة إلى النصرانية هي أقدم الديانات التوحيدية التي ظهرت في المنطقة ، و ما وجودها قائمة لغاية الآن محافظة على شعائرها و دور عبادتها إلا دليلا قاطعا على التسامح الديني عند المسلمين الذين حكموا هذه البلاد منذ القرن الأول الهجري أضف إلى ذلك المجوسية و اليهودية و قد اعتبرهم الحكم الإسلامي خلال الفتوحات ( من أهل الذمة ) دون تمييز بينهم ، و فرضت عليهم الجزية ، التي دلت وثائق يونانية و قبطية و عربية عثر عليها تعود إلى عام 22هـ على أن مقدارها كان ضئيل جدا مقارنة بأنواع الضرائب الأخرى التي فرضت على الجميع من مسلمين و غير مسلمين ، كما أشارت الوثائق إلى أن الجزية كانت ( منجمة ) أي مقسطة تدفع على دفعات على مدى عدة أعوام و تُخفض قيمتها بناء على شكوى من الذميٍ إذا كان تقديرها يفوق قدرته المالية ، كما ورد في بعض الشكاوي الموثقة من خلال رد الحاكم العربي عليها!!!!!!!! فأي إسلام نشهده الآن ؟؟؟