أجمل ما سمعته خلال مشاركتي في مؤتمر مؤسسة (عالم روسيا) الثامن هذا العام 2014 في مدينة سوتشي (Sochi) على البحر الأسود تاريخ 3/November وجاء على لسان مديرها العام البروفسور النائب نيكوناف والبروفيسرو فيربيتسكايا رئيسة منظمات المدرسات الروسيات خارج البلاد هو أن العالم سينطق باللغة الروسية، وتزامن هذا القول مع عيد يوم الوحدة الشعبية وهو طموح كبير يأتي على شكل برامج عمل عالمية عملية ولا يمكن اعتباره (اتوبيا) Atobia بالطبع ويعكس نهوض الدولة الروسية هذه الأيام في عهد رئيسها الفولاذي المحبوب فلاديمير بوتين على كافة المستويات ومنها التعليمية واللغوية، وفي الوقت الذي تحتل اللغة الروسية وكما انتهى إلى مسامعي هناك عبر الانترنت المرتبة الثانية عالمياً فإنها تجدف باتجاه التسابق مع اللغة الإنجليزية والاصطفاف إلى جانبها.
مؤسسة وصندوق عالم روسيا العاملة في العاصمة الروسية موسكو تأسست بتاريخ 21/6/2007 بمرسوم جمهوري صادر عن رئيس الفدرالية الروسية بوتين وتعمل تحت رعايته ويديرها الآن ومنذ تأسيسها البروفيسور فيجيسلاف نيكانوف الذي تعرفت عليه هناك، وهي مرتبطة بوزارتي الخارجية والتعليم والعلوم ومتخصصة بنشر اللغة والثقافة الروسية وبرامجهما، وسبق لهذا الصندوق الهام أن بدأ عمله عامي 2007/2008 برأسمال (20) مليون يورو ولا يزال بتلقى دعماً مالياً كبيراً منذ خزينة الدولة الروسية وتحت إشراف قصر الكرملين، ويشارك في قيادته مجلس إدارة مكون من ممثلين عن وزارة الخارجية ومعهد بوشكين ووزارة التعليم والعلوم والكنيسة ووكالة الأنباء (ايتار تاس) والإذاعة والتلفزيون، ويشرف على فتح المزيد من المراكز الثقافية خارج البلاد الروسية، ومساعدة المنظمات غير الربحية وغير التجارية المهتمة بتدريس اللغة الروسية ومهاراتها، وبتنفيذ البرامج المفيدة المتخصصة بتعزيز الصورة الذهنية لروسيا وسط العالم إيجاباً وبموضوعية دقيقة، والتعاون مع الشخصيات العالمية النشيطة الداعمة لروسيا ومشاريعها الحضارية، وكذلك مع الأندية والجاليات المرتبطة بروسيا، والإشراف على المنح الدراسية في مختلف العلوم وتشجعيها وإرسال الأساتذة الروس للعمل في الخارج والاهتمام بالتبادل التعليمي، والعمل على إسناد وسائل الإعلام الباحثة عن الحقيقية والمنصفة لها، والتشجيع على تأليف الكتب، وللصندوق الان إذاعة وموقع إلكتروني ومجلة.
الشكر هنا أتوجه به مناصفة لمؤسسة وصندوق (عالم روسيا) الصديقة ولجامعتي البترا العزيزة على إتاحة الفرصة لي في المشاركة ولأول مرة في هذا الحدث العالمي الهام الذي قوبل بالترحيب عن الرئيس بوتين ورئيس وزرائه ميدفيديف ووزير خارجيته لافروف ووزير دفاعه شايغو ومن رئيس البلدية في مدينة (Sochi) الأكثر من رائعة وجميلة ونظيفة، وهي التي شهدت تطوراً سريعاً في بنيتها التحتية بسبب استضافة والألعاب الشتوية الأولمبية فيها هذا العام 2014، وتم اختيار المؤتمر واللقاء الثامن هنا وبحضور (800) مشارك ممثلين لـ(81) دولة عالمية لتسليط الأضواء أيضاً على أهمية الإنشاءات الأولمبية الرياضية العملاقة التي كلفت الدولة الروسية حوالي (50) مليار دولار وحققت نجاحات رياضية فريدة من نوعها لروسيا بالحصول على (12) ميدالية ذهبية، و(11) فضية، و(9) برونزية، وشخصياً شاهدت البناء الأولمبي الروسي هذا وأعجبني كثيراً، وتم بناء جامعة إلى جانبه لاستقطاب طلبة العالم وتشرفت بمعرفة رئيسها البروفيسور ليف بيلاوسوف وزيارتها، وكل ما أتمناه هنا هو أن تستفيد الطاقات الشبابية الأردنية والعربية كذلك من هذا الصرح الرياضي المتميز.
الأزمة الأوكرانية الدموية التي اندلعت عام 2011 ولا زالت تتدحرج بين النظام الأوكراني الانقلابي البنديري المتطرف وطبقة أوليغارجه وبرلمانه من جهة وبين الغرب الأمريكي المتطلع لمصالح استراتيجية جيواقتصادية وعسكرتارية وبين رفض كييف الاعتراف بالحكم الذاتي للشرق والجنوب وتعمد شراء فحم الشتاء من جنوب أفريقيا وبأسعار مرتفعة عن تلك الموجودة في (إقليم الدونباس) بأسعار معقولة، والعمل على الدوس على اللغة الروسية لغة التاريخ والحاضر والمصانع، وعدم رضا روسيا عن كل ذلك بالطبع شكلت محوراً نقاشياً هاماً في هذا المؤتمر الروسي العالمي بقيادات المدير العام البروفيسور النائب نيكانوف وبإشراف رئيس جامعة الأولمبياد البروفيسور ليف أيضاً وعدد من المشاركين على مستوى الكلمات والحوار مساء سبقه عقد دائرة مستديرة صباحية بعنوان (أوكرانيا/روسيا/السلام) في قصر ومسرح المدينة فكان التالي بعد رحلة جوية إلى هناك عبر موسكو استمرت (6) ساعات تخللها المطبات الجوية والضباب الكثيف والثقيل والهبوط في المدينة المقصودة سوتشي من جهة البحر بسبب سوار الجبال الحادة والمرتفعة التي تحيط بالمطار، ولقد سبق فتح الحوار والحديث تقديم هدية من صندوق عالم روسيا وهو عبارة عن القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف لممثل مسلمي إقليم الكريم السيد فريد اسدلين، وافتتح الحوار المسائي السياسي الروسي الأمريكي (نيكولاي زلروبين) الذي تحدث عن أهمية أن توضح روسيا نفسها أمام العالم وطرح سؤالٍ مفاده لماذا امريكا لا تفهم روسيا؟ وأجاب على ذلك بسبب الشعور الأمريكي بانتصارهم في الحرب الباردة، ثم تحدث (فلاديمير كراسيوفا) منسق حراك إقليم لوقانسك – الجناح الروسي عن معاناة الناس هناك في فترة الحرب الأوكرانية، وتحدث بعد ذلك الخبير السياسي (روستيسلاف ايشينكو)عن تجاوز أوكرانيا للمسار الديمقراطي وكيف أنه حول جنسيته إلى الروسية كا غيره من النواب السابقين رغم أنه أوكراني الأصل إلى جانب مداخلات أخرى.
جلسة الصباح النقاشية التي قادها البروفيسور نيكانوف كانت أكثر متعة وسخونة واتخذت من الحديث الأوكراني موضوعاً رئيساً لها إلى جانب العلاقة مع الغرب والصورة الذهنية لروسيا نفسها، وتحدث في الجلسة سيرجي تسيكوف رئيس برلمان إقليم الكريم الذي أعرب عن عميق سعادته لعودة الإقليم لعرين روسيا وتفهمه لما يجري في أوكرانيا بعد تضييق الخناق على كل ما هو روسي، وكيف أن أمريكا أرادت السيطرة على الكريم بعد كييف، وتحدث (اليق تساريوف) رئيس برلمان (روسيا الجديدة) حيث قال بأن الطريق الذي سلكه إقليمي الدونباس ولوقانسك الشرقيين ينسحب على ابخازيا وجنوب اوسيتيا وهو طويل ويحتاج للصبر، ثم تحدث (كوستانتين كازاجوف) رئيس مؤسسة التعاون الروسي حيث قال بأن السلطة الجديدة في أوكرانيا حقوق السكان الروس وفي هذا تزوير للتاريخ، والحذو خلف جورجيا وجمهوريات البلطيق تجاه حلف الناتو، وتحدث ميخائيل بوقريبنسكي وهو سياسي من كييف حيث قال بأن روسيا ارتكبت خطأ عندما ساوت بين الأوكران والروس، وهذا ما ساعد على إشغال الحرب الشعبية هناك حسب اعتقاده ودفع بأوكرانيا أن تمنع كل ما هو روسي، وواصلت الحديث (تتيانا جداونك) نائب البرلمان الأوروبي عن لاتفيا فقالت بأن عدد النواب المناهضين لروسيا في بلادها تراجع، ودعت (مارتن هوفمن) مديرة الصندوق الروسي الألماني مؤسسة عالم روسيا للتعاون مع أوروبا حتى لا يخسر أي طرف الآخر، وقال جوليتا كيزا السياسي الإيطالي والنائب السابق في البرلمان الأوروبي بأنه يتفق مع الرئيس بوتين على اعتبار الأزمة الأوكرانية عالمية، وبأنها العصا الأمريكية ضد روسيا، واختتم افيغادور ايسكين من (إسرائيل) حديثة قائلاً بأن أوكرانيا تعمل على الدوس على الكلمة الروسية على أراضيها بالحذاء، وإذا كان ساآكاشفيله (رئيس جوريجيا السابق) قد تحدث في أذربيجان بالروسية مثلاً، فكيف يمكن اعتبار هذه اللغة احتلالية؟ هكذا اختتم مؤتمر مؤسسة عالم روسيا أعمال وسط أجواء من الحرب الباردة التي تصر أمريكا وأوروبا على بقائها وترفضها روسيا بشدة.