ما تقوم به بعض الشركات السياحية من استئجار فرقة فنية شعبية لمرافقة مجموعات سياحية إلى المطاعم أو إلى المطار يشكل إساءة وإهانة بالغة إلى المجتمع الأردني والمطاعم وروادها وإلى السياحة بعامة، ولا يجوز بقاء هذه الفقرة التهريجية التي تشعرنا بالخجل، وتقدم فكرة غير مقبولة عن الناس والمجتمع والسياحة بعامة.ما الذي يعنيه للسائح الفرنسي أن نحشد بصحبته مجموعة من الشباب لمرافقته إلى المطعم ولتسليته بالدبكة والطبلة والفرجة على اللباس والغناء الشعبي في أثناء تناوله الطعام؟ وما الذي يعنيه بالنسبة لنظرتنا إلى أنفسنا؟ ونظرة رواد المطعم أو المسافرين وقسم كبير منهم من زوار البلد والمقيمين فيه من العرب والمغتربين الذين يقضون إجازاتهم أو من أصحاب الأعمال وضيوفهم وشركائهم وأصدقائهم؟ وما الفكرة التي نقدمها للسياح والزوار بمثل هذه التهريج؟
سيعتقد السائح أنه يزور بلدا غريبا وأن الناس في هذا البلد تنتابهم الدهشة العظيمة والانبهار والقداسة لرؤيتهم زائرا أوروبيا، ويعتقد الشاب الذي يقفز ويطبل ويصرخ ويغني لتسلية هذا القادم أنه مثل قرد السيرك، ولن ينظر إلى عمله بأنه فن شعبي أصيل، فهذا الفن يقدم في مناسبات وأماكن تلائم الفن الأصيل والتقليدي، ويكون مستمدا ومدفوعا بمشاعر عميقة شكلتها التقاليد والتفاعلات المتراكمة للمجتمع مع الأحداث والنظرة إلى الحياة والذات، واستخدام هذا الفن للتهريج والتسلية، ومن دون تدريب وقناعة عميقة تجعله أقرب إلى التطوع، يسيء إلى الفن نفسه ومعناه ودوره في الحياة، ويشوه الإدراك الجمالي للناس والمؤسسات. والمفترض أن تكون قاعدة عميقة وصلبة لمنتجاتنا جميعها سواء كانت في العمارة أو اللباس او الطعام أو الفن والثقافة وحتى الخدمات والأعمال المهنية جميعها، فالجمال يشكل مكونا أساسيا للمهن والأعمال والتقدم والتنمية والتعليم والسلوك والذوق، والنظرة إليه هذه النظرة الدونية وغير الصحيحة تشوه جميع أعمالنا ومهننا ومشروعاتنا، ومنها السياحة، فالفرنسي القادم إلى البلد يفترض أنه جاء لمشاهدة ومعايشة تاريخ طويل وعميق من الفعل الحضاري وليس للتسلية والفرجة على غرائب المخلوقات وعجائب العادات، وإذا كان يريد ذلك بالفعل فمن الأفضل له زيارة الغابات والمجاهيل في أعماق المناطق الاستوائية أو الجبال المعزولة عن العالم في آسيا وأميركا اللاتينية.
وبالنسبة لزوار البلد والمقيمين فيه وهم الثروة السياحية الحقيقية للبلد فسوف يشعرون بالإهانة مثلنا، ويجدون أن هدفهم من زيارة مطعم أو مكان سياحي أو تسويقي قد تلاشى وضاع بسبب الزفة المشوهة والضحة غريبة الأطوار التي أفسدت زيارتهم، وبالنسبة للمطاعم والمرافق فإنها تتعرض لإساءة وخسارة أيضا، فهي أماكن عامرة وعليها إقبال كبير ليس بسبب المجموعات السياحية أو السيرك التزلفي لها، ولكن بسبب إقبال الزوار والمقيمين والمواطنين وأصحاب الأعمال وضيوفهم والعائلات التي تفضل قضاء الأمسيات والعطل في مثل هذه الأماكن، وقد تطورت هذه المرافق في السنوات الأخيرة وأصبحت في مستوى نعتز به جميعا ويشجع على زيارتها، بل إنها في غالب الأحيان تكون ممتلئة بالكامل وتحتاج إلى حجز مسبق، ولكن هذه الممارسات "السياحية" تسيء إلى هذه المرافق، ولا تختلف في إساءتها بل إنها تزيد على ممارسات المتسولين والبائعين الوهميين في أو بجوار هذه المرافق.
لا نحتاج من هذه الشركات أن تحولنا إل مهرجين لتجتذب بنا السواح، فلدينا من الموارد السياحية والفرص أكثر بكثير من قدرتنا على استيعابها، وأشير هنا مؤكدا على إشارة الزميل سميح المعايطة بضرورة وقف الصورة النمطية والمسيئة التي تساهم بها الفنادق في تقديم اللباس الوطني والشعبي الأردني الذي يمثل لدينا رمزا كبيرا وغاليا لا يجوز المساس به.
ibrahim.gharaibeh@alghad.jo