تزامن انعقاد الدورة البرلمانية الجديدة مع سلسلة من التطورات، صبت في صالح الحكومة، ووضعتها في موقف مريح قياسا بدورات برلمانية سابقة انعقدت على وقع سجال عنيف بين السلطتين، لدرجة يمكن القول معها إن حكومة د. عبدالله النسور في حال أفضل من حال مجلس النواب الذي ختم دورته الماضية "الاستثنائية" وسط حالة من السخط الشعبي لم تتبدد بعد، على خلفية قانون التقاعد المدني.
النسور لم يخف شعوره بالارتياح في مؤتمره الصحفي الأخير. وفي تعبير عن إحساسه بقوة موقفه، بدا الرجل مستعدا لمساندة النواب في مواجهة انتقادات الشارع اللاذعة، ودعوته وسائل الإعلام إلى التوقف عن توجية الإساءات للنواب. يا لها من شهامة!
ابتداء، كان لسقوط فرضية التغيير الحكومي أثر إيجابي مباشر على مكانة الحكومة. لكن هذا الأمر، على ما يلقى من ردود فعل متباينة، ليس كافيا لمنح الأفضلية للحكومة. لقد جاءت تطورات أهم، بعضها بمحض الصدفة، لتدعم موقف الحكومة.
تراجع أسعار النفط عالميا منح الحكومة فرصة لتخفيض أسعار المشتقات النفطية على نحو ملموس ومؤثر في حياة الناس، خاصة أسعار الكاز والديزل مع بداية موسم الشتاء.
التطور الثاني، استدعاء السفير الأردني في إسرائيل، بعد الاعتداءات المتكررة من طرف المستوطنين على المسجد الأقصى، وما رافقه من خطاب حكومي غير مسبوق في لهجته تجاه إسرائيل.
لقد قوبلت هذه الخطوات بتقدير من أوساط سياسية وبرلمانية، حتى المحسوبة على المعارضة. رئيس الوزراء، وبخبرته السياسية، يعلم وقع قرار "سحب" السفير على الشارع، ولذلك حرص إعلامه على عدم ترك الأمر لوزير الخارجية بوصفه المسؤول المباشر عن اتخاذ قرار كهذا، بل ربط استدعاء السفير بـ"إيعاز" من رئيس الوزراء.
وقبل انعقاد الدورة البرلمانية بأيام، أقرت الحكومة مشروع قانون الموازنة، في خطوة غير مسبوقة، لتُظهر جديتها في إنجاز التشريعات ذات المساس بحياة الناس، وتوفير المتطلبات الضرورية لدعم مسار الإصلاح الاقتصادي والمالي.
بعد بدء الدورة البرلمانية بقليل، اتخذ النسور قرارا بتغيير رئيس هيئة مفوضية العقبة الخاصة، ليطفئ بذلك واحدة من بؤر التوتر مع النواب.
ولم ينتظر الرئيس طويلا قبل أن يعلن عن قرار آخر كان له صدى قوي في مجلس النواب وفي أوساط الرأي العام، وهو القرار المتعلق بمنح تسهيلات خدمية ومزايا إنسانية لأبناء الأردنيات المتزوجات من غير الأردنيين. كان القرار جاهزا منذ أسابيع، لكن رئيس الوزراء آثر تأخير الإعلان عنه بعض الوقت ليتزامن مع بدء الدورة البرلمانية.
الخطوة التي اتخذها الرئيس في هذا الملف ستساعد على تعزيز شراكته مع نواب "المبادرة" تحت القبة، وتضيف له حلفاء جددا طالما تبنوا هذه المطالب.
تأكد للنسور وفي وقت مبكر من هذه السنة، أن حكومته غير مرشحة للرحيل في وقت قريب. ولذلك، سعى جاهدا إلى تصفير المشاكل مع النواب، من دون تنازلات مفرطة.
قد لا تكون الحكومة في وضع مماثل عند الرأي العام الأردني؛ فقد ذهب أشد منتقدي الرئيس إلى حد وصفه بالرئيس المغيب، في إشارة لتصريحاته بعد حادثة حفريات عجلون الشهيرة. لكن، وفي كل الأحوال، يبقى وضع الحكومة أفضل من وضع النواب في الشارع، بانتظار نتائج الجولات المقبلة تحت القبة.
(الغد)