من أكثر الطبقات الوظيفية في الأردن تعرضا للحسد، طبقة الدبلوماسيين، والشهيق يرتفع حين ُيعّلق أحدهم على راتب السفير أو القنصل أو الدبلوماسي.
هذا شهيق حسد، ينم عن جهل للاسف، لانه يقارن راتب الدبلوماسي، براتب الموظف العادي، ولايريد ان يصدق ان راتب الدبلوماسي الأردني في الخارج لايكفيه في أغلب الدول التي يخدم فيها، لايجار بيته، وتعليم أولاده، فوق نفقاته العادية، والظن ان الدبلوماسي يوفر الالاف، ظن في غير محله.
اغلب السفراء والقناصل والدبلوماسيين، غرقى في الديون، ولولا البطاقات الائتمانية والقروض، لما استمر احد، بل ان هناك دبلوماسيين وسفراء باعوا أراضي لهم، حتى يستمروا في مواقعهم، وبعضهم طلب العودة الى المركز فرارا من الراتب الذي لايكفي الى راتب قد يكفي قليلا في عمان، وبعضهم يوسط لانتدابه الى الصومال أو جزر القمر، لعل فيهما توفيرا.
حسد الدبلوماسي، نابع من موقعه وجوازه الذي يحمله، والجواز له قيمته، لكنه لايطعم خبزا، ولايعلم ولدا في نهاية المطاف، والتنافخ بالوجاهة، بضاعة كاسدة.
حين يسمع احدهم عن راتب دبلوماسي اردني في اميركا او بريطانيا او اليابان او بعض الدول العربية يشهق على هذه الالاف، ولا احد يريد ان يتواضع ليستمع الى صاحب خبرة، فنصف الراتب او اكثر يذهب للايجار في هذه الدول وغيرها، وبقيته يذهب للتعليم.
هذا يفسر في مرات كثيرة تحاشي الدبلوماسي الاردني للمجاملات ، فلا السفير ولا الدبلوماسي لديهم مخصصات، وسيدفعون من رواتبهم، لتغطيتها، وإذا كان السفير يحظى بوجود سكن، فالتزاماته ايضا تفوق الدبلوماسي، وكأن توفير السكن له، يتم تبديده في انفاق آخر، وفقا لمستواه.
رواتب الدبلوماسيين تحسنت في الاردن، ولمن لا يعرفون فأن رواتب الدبلوماسيين العرب من اليمن والسودان ودول اخرى، موصوفة بالفقر، اعلى من راتب الدبلوماسي الاردني، الذي يتم انتقاده ايضا لتقصيره في واجبات المجاملات لكل وفد قادم، وكأن الدبلوماسي ينام على خزنة في سفارته وهذا غير صحيح.
لانبرر التقصير، لكننا نقول ايضا ان مساحات الدبلوماسي وهوامش حركته مرتبطة براتبه وامكاناته وموازنة سفارته، وهذه غير متوفرة، وللعلم فأن بعض السفارات الاردنية في الخليج تمول من رسوم الجوازات والتصديقات كلفة ست بعثات اخرى في بعض الحالات.
يقال هذا الكلام ردا على الشهيق الذي سمعناه في عمان على رواتب الخارجية،اذ بلغ عدد الموظفين في وزارة الخارجية 1432 موظفاً بينهم 315 دبلوماسيا، و34 موظفاً ادارياً ومالياً، و196 موظفا في وظائف أخرى، بالاضافة إلى 106 موظفين في وظائف الفئة الثالثة،كما يضاف إلى هذه الاعداد الموظفين المحليين في سفارات الأردن في الخارج والبالغ عددهم 760 موظفا، ومجموع الرواتب السنوية هو 33 مليون دينار فقط، وهو رقم قليل بالمناسبة، اذا اردتم خارجية نافذة وذات حركة وتأثير، وعلى صلة بالجاليات، وبتلك الدول.
يقال هذا الكلام لاننا نطالب بتحسين رواتب الدبلوماسيين وموظفي الخارجية، مع الموظفين المحليين في بعثاتنا في الخارج، وحتى لايتواصل الشهيق بشأن ملف لايعرف تفاصيله الا من خدم في الخارجية، واطلع على قصة الدبلوماسي في الاردن تاريخيا.
مشكلتنا بصراحة، اننا ندعي اننا نعرف كل شيء، وفي كل شيء، وعن كل شيء، ولاتجد واحدا منا الا ويدعي انه «بحر العلوم» يعرف اخبار ناسا، وسلك الخارجية، مثلما يفتي في هلال رمضان، واسرار داعش، واسعار النفط، وزاوية الصاروخ الذي انطلق من غزة!!.
(الدستور)