لو استفتينا الاردنيين لوافقوا على تنفيذ حكم الاعدام بقضايا القتل، فالى جانب القناعة الدينية بالعقوبة، فان قصاص الاعدام ليس قضية مبدأية يصح فيها النقاش وحقوق الانسان، وانما هي قضية نسبية، فاذا قلّت جرائم القتل فلا شيء يمنع وقف التنفيذ، واذا تزايدت فالعقوبة تعود!
اكثر ما نعاني منه في قضايا القتل والاعتداء على المال العام وهما جريمتان متوازيتان، هو كثرة قوانين العفو العام، فالمجرمون يلجأون الى اكثر من وسيلة للتفلت من العقوبة: سواء في اللجوء الى العادات العشائرية بالعطوة، والصلح واسقاط الحقوق، او في اللجوء الى الاستفادة من العفو العام الذي يشمل كل شيء بما فيها القتل بأنواعه، وكان آخر عفو يستثني الارهاب، والتجسس للعدو، وجرائم الفساد فقط!
اكثر ما يستفيد منه المجرمون هو التشريع بالغاء عقوبة الاعدام او تجميدها، ولا احد يناقش في الوازع، بين السلطان والقرآن في اقامة الحدود وحماية المجتمع والدولة من الاشرار والسرّاق وجرائم الاغتصاب، بما في ذلك اغتصاب المال العام!
الذين عاشوا في سوريا في منتصف القرن الماضي يتذكرون تنفيذ احكام الاعدام شنقاً في ساحة المرجة بدمشق، وغيرها من المدن، فالقوتلي الرئيس اخذ بوصية امه فلم يوافق على اعدام احد طيلة رئاسته الطويلة ، وحين جاء حسني الزعيم الى الحكم بعد انقلابه العسكري، بحث في اوراق الاحكام المدنية، فوقع عليها كلها، وكان عدد المحكومين كبيراً.
وذهب حسني الزعيم بعد اشهر، واكتشفت الحكومة السورية ان سنة مرت لم تقع فيها غير ثلاث جرائم قتل!
والتاريخ ليس رواية مسلية، وانما هو وحدة القياس في العظة والقناعة، ففي مجتمع مزدهر كالمجتمع السويسري لا لزوم لأحكام الاعدام، لان حجز الحرية هو العقوبة الاقصى، اما الذي لا يعرف طعم الحرية، والمتوحش الذي يحاكم الناس دون محاكمة، وينفذ فيهم الحكم، او يحاكم المجتمع فيقطع الرؤوس ويرجم، ويطرد ملايين الناس من ارضهم لأن لهم ديناً آخر او فهماً آخر للحقوق والواجبات.. فلا يوقفه الا عنف القانون، ومشانقه!
(الرأي)