الكوميديا الأولى إلهية، كتبها دانتي وقيل أنه تأثر بالتراث العربي وبالتحديد برسالة الغفران، والثانية أرضية كتبها الفرنسي بلزاك، وبقي العالم منذ ذلك الوقت بانتظار الكوميديا الثالثة وهي الكوميديا العربية، التي لم تكتب حتى الآن، لأن كتابتها تتطلب ثلاثة شروط، الأول أن يكون المؤلف وارثاً لثروة تكفيه حتى الموت أو فائزاً بورقة يانصيب بحيث لا يحتاج إلى أن يكتب أي شيء آخر سواها. والشرط الثاني أن يحصل على بوليصة تأمين تحميه من الرجم أو التعذيب على طريقة ابن المقفع بحيث يشوى على سفود كالخروف، والشرط الثالث أن يكتب بلغة أخرى تجد من يقرأونها ولا تبقى طي الكتمان أو تبيض عليها الأفاعي تحت أكوام الغبار!
هذه الكوميديا تبكي حتى الضحك، لأنها متوالية من شرور البلايا، تبدأ من أوسمة المهزومين وتنتهي عند أطفال يولدون من شقوق الجدران.
ويخطئ من يظن أن الكوميديا إذا كانت من هذا الطراز هدفها التسلية لهذا قال بول فاليري، إن الحمقى وحدهم من يتصورون أن الكوميديا ليست من الجدية في شيء، فهي سلاح مقاومة كما سماها جورج لوكاتش.
تماماً كفن الكاريكاتور الذي يحول إمبراطوراً إلى قزم معتوه فقد أصبحت حياتنا العربية سياسياً واجتماعياً وثقافياً غير قابلة للتعامل معها بوقار لأن المفاتيح كلها تتكسر تباعاً في قفلها العجيب. وكل ما كتب حتى الآن ليس سوى دقات خجولة على بوابة لا تفتح إذا لم يتوافر لها سمسم عربي، يقول له الجن لبيك..
فشلت التراجيديات كلها في تصوير واقع دونه الخيال، بعد أن أضاف العرب إلى مستحيلاتهم الثلاثة وهي الغول والعنقاء والخل الوفي مستحيلاً رابعاً هو الوعي بما يجري، فالفلسفة تتلخص في عبارة واحدة هي ما يسقط من السماء تتلقاه الأرض سواء كان مطراً أو ثلجاً أو قذائف من طائرات بي 52 والشبح والفانتوم والميراج.
وعلى من يتصدى لكتابة هذه الكوميديا أن يخرج أولاً من المشهد كي يراه، فالفرنسيون يقولون، إن المكان الوحيد الذي لا ترى فيه برج إيفل هو برج ايفل ذاته لأنك داخله، فالاقتراب من أية لوحة بحيث يتفلطح الأنف عليها يحولها إلى بقعة بلا معنى أو دلالات، نحن أنوفنا ملتصقة بهذه الجدارية الحمراء لهذا تأقلمنا مع حياة دونها الجحيم وأصبح الفرح من المحرمات والمكروهات والمحظورات لأننا نستعيذ بالله منه إذا ابتسمنا، رغم أن الابتسامة توجع عضلات الوجه لهذا قلما نجازف بها.
الكوميديا الثالثة ستضيف إلى العالم جحيماً مأهولاً ببروج مشيدة وصراصير تصهل وأحصنة تموء!
(الدستور)