هل يبعث ما نقرأه يومياً عن جرائم بشعة ذات تفاصيل دموية في مجتمعنا، على القلق بأنّنا أمام تحولات اجتماعية خطرة، وانهيار في منظومة الأخلاق والقيم؟!
هذا التساؤل الجدلي هو الذي يطغى على أحاديث النخب وهي تتابع تلك الأخبار التي تفيض بها الصحف يومياً؛ من حادثة قتل فتاة بصورة بشعة في مزرعة، إلى حادثة قتل امرأة لأطفالها الصغار، بعد تحرش زوجها بابنتهما الكبرى، مروراً بقتل شاب وقطع لسانه وتركه ينزف حتى الموت على جذع شجرة، على خلفية علاقته بالزوجة القاصر لقريبه، وصولاً إلى قتل شاب على يد ابن عمه ودفنه "تحت بيت الدرج" من أجل دين بقيمة 10 آلاف دينار!
مثل هذه العناوين الإخبارية، وما تتضمنه من تفاصيل داخلية مرعبة، قرأناها فقط خلال الأيام الماضية. وهي جرائم فردية محزنة ومؤلمة، تقع على هامش ظواهر أكبر وأخطر على الصعيد الاجتماعي، من مثل الحديث عن انتشار المخدرات والعنف الاجتماعي والجامعي، وظاهرة العصابات والفتوّات، وتوطين تجارة "الدعارة"؛ إذ شاهدنا تقريراً مصوراً للزميل حمزة دعنا، على موقع "الغد" الالكتروني، قبل أيام، يتضمن مقابلة مع مديرة شبكة في عمان الشمالية، تتحدث عن الموضوع وتؤكد انتشاره، وزيادة عدد الأردنيات اللواتي يمتهن هذا الفعل/ الجريمة، لأسباب أغلبها اقتصادية.
بالعودة إلى التساؤل السابق، ونحن نتحدث عن أكثر من مستوى؛ كلي وجزئي، مجموعات وأفراد، فإن من الضروري أن نحدّد فيما إذا كان الأمر طبيعياً؛ كمّاً ونوعاً، مقارنةً بالمرحلة السابقة في مجتمعنا أو مجتمعات أخرى.
وربما أن هذه الجرائم كانت تقع في مجتمعنا بالنسبة نفسها والصورة ذاتها، في العقود السابقة، لكن ما يضخّم من آثارها ودلالاتها هو انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وتطور التقنيات الإعلامية؛ فأصبح تداولها يتم بصورة خاطفة وسريعة، وعلى أكبر مدى، كما تصرّ نخبة سياسية محافظة قريبة من دوائر القرار؛ أم أنّنا نتحدث عن مؤشرات متصاعدة مقلقة، وعن تحولات خطرة في المجتمع، تؤذن بما هو أسوأ وأكثر خطورة في المرحلة المقبلة؟!
ولعل الحديث اليوم عن زيادة حجم التيار السلفي الجهادي، بنسخته "الداعشية"، في الأردن، يصب في البوتقة نفسها من التساؤلات المقلقة، بخاصة وأنّنا نتحدث عن آلاف من شبابنا ذهبوا للقتال إلى جانب "النصرة" أو "داعش"؛ ونلحظ نمواً وتمدداً للتيار في أوساط متباينة مختلفة!
لو عدنا إلى الأرقام التي أعلنتها الأجهزة الأمنية قبل قرابة 5 أشهر، في مؤتمر صحفي مهم، فإنّها تعزّز من حالة القلق بأنّنا أمام تحولات اجتماعية، وصعود لظاهرة الخروج على القانون، وانتشار الجرائم وتوطين بعضها، بالرغم من محاولة بعض القيادات الأمنية حينها التخفيف من وطأة الأرقام، بالتأكيد على مقولات من مثل أنّ الأردن ممر للمخدرات وليس مقرّا، فيما تؤكد الأرقام المطروحة نفسها والشهادات الماثلة للعيان أنّ تلك القاعدة أصبحت بالية وقديمة، كما هي الحال بالنسبة لقضايا أخرى، مثل الدعارة وغيرها!
هذا وذاك يدفعان بدورهما إلى تساؤل آخر على القدر نفسه من الأهمية، يتعلق بدور الجامعات والكليات الإنسانية والاجتماعية، والأساتذة الأردنيين المعروفين في علم الاجتماع والنفس؛ لماذا لا نقرأ لهم دراسات أو توصيات أو حتى تحليلات وقراءات، بشأن ما يحدث في المجتمع؛ سواء عبر الإجابة عن التساؤل السابق، أو تقديم رؤية عميقة لحماية المجتمع ومنظومته الأخلاقية والقيمية والثقافية من الانهيار والتفكك! ما قيمة الكليات والجامعات والأساتذة المتخصصين إن كانوا هم، أيضاً، معزولين عما يحدث؟!
نريد أن نفهم فعلاً؛ هل مجتمعنا بخير أو على الأقل في مأمن من الانهيارات، أم لا؟!
(الغد)