"المتنبي" في زمن "بوس الواوا" .. "صح لسانك"
أنس علي الحياري
09-11-2014 03:49 AM
من باب المقولة المشهورة أن "أصدق الشعر أكذبه" ومن باب تلك اللوحات الفنية التي رصعت بحروفٍ من ذهب علينا الإعتراف بأن ما قاله بعض شعراء العرب من فخر ومدح وغزل وما الى ذلك من أغراض شعرية، ما هو إلا "كذب وضحك عاللحى"_أحيانا_..
ولو تخيلنا وجود أولئك الشعراء "من أي عصر ومكان" في أيامنا هذه، سنجد بأن قصائدهم حينها قد تابت الى الله مما كانت عليه من كذب، ولتحولت الى ما هو أصدق وأنجى في زمن كثر به الكذابون و "العريطة وهزيزة الذنب.."
"الزير سالم" شاعر جاهلي وفارس معروف ، استمر نحو أربعين عاما يطلب الثأر من بني بكر عقب قيام ابنهم جساس بغدر أخوه "كليب"، على الرغم من روابط الدم والقربى القوية التي تجمع القبيلتين .
أما نحن فما زال اليهود يقتلون الآلاف من إخواننا وأبناء عمومتنا في فلسطين، وينتهكون مقدساتنا ولم يظهر بيننا "زيرٌ" واحد يطالب بثأرهم ولا حتى "زير مي" .. بل على العكس تماما، ظهر بيننا ألف جساس والف جاسوس ...
الزير لم يثأر لأخيه فقط، بل ثأر لنفسه أيضا بعد قيام عبدان بغدره في الصحراء، إذ طلب الزير منهم قبيل أن يقتلوه أن ينقلا عنه أشطر لبيتين من الشعر منقوصة "وملغومة" أشار من خلالها إلى قاتليه، ليقوم أهل الزير بأخذ ثأره على الفور ..
اليمامة إبنة كليب فكت "شيفرة" أبيات الزير .. والتي تقول:
من يبلغ الحيين أن مهلهلا ... أمسى قتيلا بالفلاة مجندلا
لله دركـما .. ودر أبيكـما ... لا يبرح العبدان حتى يقتلا
الان لو تخيلنا الزير سالم من "قضاء القدس" مثلا، ماذا سيقول؟ أتوقع أن تكون أبياته على هذا النحو:
من يبلغ الإسلام أن مناضلا .... أمسى شهيدا و"العروبة مبهدلا"
لله در العُرب كيف تخاذلت .... أيخاف صهيون الجبانة عاقلا؟؟
ولو تخيلنا أيضا الشاعر أحمد شوقي وهو معنا في زمن كثر به الفقر وزادت به "العزايم والطبايخ" وتصدر أصحاب "الكروش " التي لا تعرف الشبع ، معظم المحافل والمناسبات.. وبليلٍ طال به الظالمون، وقَصُرَ عُمر الصادقين، وجُهِل الارهابي" ، وعاشق التقاليد أصبح " متخلف وأعرابي" و لسان الضاد "يطعج بالعربيزي" .. والأغلب لا يعرف إلا "تيكت إيزي" ..(Take it easy)
حينها "سيقلب شوقي على حاله" وسيبدّل بيته المعروف :
ان الذي ملأ اللغات محاسنا ... جعل الجمال وسره بالضادِ
ليصبح :
ان الذي ملأ البطون محاشيا ... طبخ الدجاج وسره بالماجي
ولو أن الشاعر المتنبي عاصر زمن حكومة الدكتور عبد الله النسور ولمس وجع المواطن الأردني لتبدلت أبياته المشهورة: "إذا رأيـــت نيوب الليــث بارزة **** فلا تظنـ ان الليــث يبتســم"
لتكون في زماننا :
اذا رأيت جيوب المرء فارغةُ ... فاعلم بأن نسور باقٍ مكْرمُ
بحكومة الرفع الثقيل ودعمه ... صار المواطن عاجزا و"مصّخمُ"
الزير سالم والمتنبي و شوقي والعديد من الشعراء الكبار لو عاشوا في هذا الزمن "الأغبر" وتخاذلوا كما تخاذلنا وذاقوا ما ذقناه من المؤامرات والنكسات والخيانات و"الرفعات والشحدات" ، لكان لقصائدهم مكانة موازية لما وصلنا اليه من انحدار عروبي وقومي ونفسي، بل ستكون كلمات أغنية "هزي خصرك هزي" أطرب للأذن مما سيدونوه من "نواح" على ما فقدناه من عزة وكرامة وأنفه، وكلمات أغنية "بوس الواوا" ستكون أجمل وأرقى بكثير مما ستكون عليه قصائد عباقرة الشعر العربي ما ان عايشوا هذا الوقت "الأعوج"..
ومن ذاكرة " أنا الذي نظر الأعمى الى أدبي ... وأسمعت كلماتي من به صممُ" .... سنصل بهذا الوقت إلى:
" أنا للذل كم غنيتُ من طربي .. وأسمعت صرخاتي من به طرمُ "
ولأن أصدق الشعر أكذبه...ولأننا في كل مرة نرجع ونتخاذل ما لنا الا ان نقول ... "صح لسانك"..