حوار مع الإسلاميين (21) (التخلص من التناقض)
بلال حسن التل
09-11-2014 02:30 AM
سألنا في نهاية المقال السابق عن صناعة القبول بالحل الإسلامي لمشكلات المجتمع، وهي المشكلات التي يحتاج حلها إلى تضافر جهود الجميع. ويحتاج أولاً إلى اعتراف الجميع وتسليمهم انه منذ خمسة عشر قرنًا ارتبطت هذه المنطقة ارتباطًا عضويًا بالإسلام، الذي صار المكوّن الرئيس لحياتها اليومية، والعنصر الحاسم في تحديد هويتها الحضارية بكل مكوناتها الثقافية، والاجتماعية, والاقتصادية، والسياسية، وطبيعة العلاقة بين أبنائها بعضهم ببعض من جهة، وبينهم وبين الآخر من جهة ثانية، ومن ثم فانه من المستحيل إيجاد حل لقضايا المنطقة الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية بعيدًا عن الإسلام الصافي النقي، كما نزل على محمد بن عبد الله عليه السلام، وهو الإسلام الذي سمح لأتباعه ان يجتهدوا لابتداع حلول لمشكلاتهم وفق معطيات عصرهم، لا ان يظلوا أسرى عصر بعينه، ولعل هذه إحدى دلالات قول رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم:» إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها»(رواه أبو داود وصححه الألباني)، وتجديد أمر الدين لا يكون في الجانب العقائدي الذي أكتمل باكتمال الوحي ووفاة الرسول عليه السلام، ولكن في قضايا الحياة اليومية التي تتطور بشكل دائم، ومن ثم يصبح تطوير الأحكام المتعلقة بهذه الجوانب أمرًا حَتْميًّا.. وهو ما يتناقض تمامًا مع ما تدعو إليه بعض الجماعات والجمعيات والتيارات الإسلامية لحصر المسلمين بتقاليد عصر بعينه، وبأعرافه، وحتى بمظهره.
إن أول خطوات قبول المجتمعات بالحل الإسلامي هي التخلص من هذا الجمود الذي تعيشه بعض التيارات والجماعات الإسلامية، وتجعله جزءًا من الإسلام. فهذا الجمود هو الذي يصنع التناقض بين هذه التيارات وبين محيطها.
فالكثير من طروحات وتصرفات ومظاهر أبناء هذه التيارات لا تتناقض مع روح العصر فقط، بل إنها تتناقض قبل ذلك مع روح الإسلام وجوهره، وتقدم عليها اجتهادات فقهية كانت بنت عصرها وبيئتها. لكنها لم تعد مناسبة لهذا العصر، مثلما انها ليست من عقيدة الإسلام، بل من اجتهادات بعض المسلمين وفهمهم لأحكامه وفق معطيات عصرهم.
لقد شكل الارتباط العضوي بين الإسلام وهذه المنطقة في بعض الأحيان مشكلة، ليس بسبب الإسلام نفسه، ولكن بسبب تباين فهم المسلمين للنص القرآني، وللنص النبوي، واختلافهم في تفسيرهما، وإضفاء كل فريق صفة القدسية على فهمه للنص. وقد كانت هذه المشكلة تبرز بوضوح وحدّة في عصور ضعف المسلمين وتخلفهم الحضاري، وقصورهم عن فهم معطيات عصرهم، ومن ثم الإجابة عن أسئلة هذا العصر، وكل من يقرأ تاريخ الفترات التي ضعف فيها المسلمون وتخلفوا حضاريًا، سيجد انها اتصفت بصفات مشتركة منها:
1. ضعف الدولة التي تكون حكمًا بين الناس وتحميهم من التطاول. فغياب الدولة أو ضعفها يسمح للتطرّف والتعصّب أن يرفع رأسه. ويسمح للجهلة باحتلال مراتب العلماء فيغرقون الأمة بهذا الجهل وبنتائجه. ويسمح للانتماءات الفرعية بأن تطل برأسها على حساب الانتماء لوحدة الأمة والمجتمع.. فضعف الدولة من أسباب انتشار الفوضى، حتى في مجال القيم والمفاهيم.
2. الهروب إلى الماضي وإسقاطه على الحاضر، بالرغم من ان في موروث الماضي الكثير مما يلائم العصر، كما هي الحال في أيامنا هذه.
3. الاتكاء على النقل أكثر من أعمال العقل في السعي لحل مشاكل العصر، وفي مواجهة القضايا التي تواجه المجتمع.
4. غياب المرجعية الجامعة للأمة على الصعيدين السياسي والفقهي، وعندها تبرز الانتماءات الفرعية: العرقية، والمذهبية، والطائفية على حساب الانتماء للأمة، وتبرز الجماعات والمجموعات المتطرفة والمتعصبة والرافضة للحوار مع الآخر، كما هي الحال في عصرنا هذا.. حيث تقدم كل جماعة أو مجموعة تصورًا وفهمًا مختلفًا للإسلام، وهو الاختلاف الذي كان يغرق المنطقة بحالة من الفوضى المصحوبة بالعنف والإرهاب، الناجمين عن التطرّف والتعصّب والميل إلى رفض الآخر، حتى لو كان مسلمًا واتهامه بالتكفير، وهو بالضبط ما نعيشه في هذه الأيام..
حيث زاد من خطورة هذه الفوضى انها شملت أجزاءًا كثيرة من العالم، ولم تعد محصورة في هذه المنطقة، وانها كذلك أخذت أشكالاً منظمة تحت مسميات مختلفة. الأمر الذي أغرق المنطقة بمزيد من الضعف والتمزق والتخلف والعداء مع الآخر.. كل ذلك باسم الإسلام الذي صار من المهم تحريره من كل ما علق به من مفاهيم بعيدة عن جوهره، وعن حقيقته.
(الرأي)