لم تعد المزايدات الكلامية بشأن معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية تقتصر على ذوي الرؤوس الحامية في الشارع ، بل وصلت إلى بعض المسؤولين، الذين يريدون أن يؤكدوا للشارع الغاضب أنهم لا يقلون عنه غضباً!.
الممارسات الإسرائيلية البشعة والاعتداء على الأماكن المقدسة تبرر الغضب ، ولكنها لا تبرر التهديد بإعادة النظر في المعاهدة إلا إذا كنا نريد أن نفعل بأنفسنا ما فعله رجل ليقهر زوجته!!.
لمدة عشرين عاماً ونحن نسمع ونقرأ الحجج الدامغة التي تثبت أن المعاهدة خدمت مصالح الأردن فقد أعادت له أرضاً كانت محتلة ، ومياهاً كانت مغتصبة ، ورسمت حدوداً للتوسع الإسرائيلي ، وحمت الأردن من مخاطر العدوان ، ونصت على منع تحريك السكان بالقوة أي الترانسفير.
المعاهدة حققت كل هذه المنافع ، ولم ينشأ عنها ضرر محدد ، إلا إذا كان البعض يعتقد أن المعاهدة هي التي تحول دون قيامنا بتحرير فلسطين.
إذا كانت المعاهدة تخـدم مصالح الأردن ، فما معنى التهديد بإلغائها ، وما هي على وجه التحديد النتائج المرجوة من إلغاء معاهدة كانت شروطها ممكنة في عهد رابين ولم تعد مقبوله لغلاة اليمين الذي يحكم إسرائيل اليوم.
المعاهدات الدولية لا ُتلغى أو ُتعدل إلا بالاتفاق بين الأطراف المتعاقدة. أما إلغاء المعاهدة من جانب واحد فيعني العودة إلى حالة الحرب وتحويل الحدود الدولية التي كرستها المعاهدة إلى خط وقف إطلاق النار ، فمن هو الطرف المهدد في هذه الحالة؟.
إلغاء المعاهدة لو حصل لن يشكل عقاباً لإسرائيل بل مكافأة لها لأنه يطلق يدها في التحرك كما تشاء.
نفهم أن المزايدات الإعلامية التي يخرج بها مسؤول ليست موجهة لإسرائيل بل للاستهلاك المحلي ، ولا تؤدي لإسكات الأصوات العالية بل تشجعها على المزيد من الصراخ. ولنا تجربة فيما حدث عام 1967 عندما دفعنا الحماس الشعبي للاشتراك في حرب أضاعت الضفة الغربية والقدس.
بعد عشرين عاماً على المعاهدة ثبت أنها خدمت الأردن ولم تلحق به ضرراً ، ولذا فإن الأصوات المطالبة بإلغائها تصدر عن جهات أمن الأردن ومصلحته ليست من أولوياتها.