في الوقت الذي تمعن إسرائيل في انتهاكاتها وممارستها الهمجية في الأقصى والقدس، وتتطاول على الأردن وحقه التاريخي في الوصاية على المقدسات، وتستكمل تطبيق مخططاتها لتهويد الأقصى، لا نسمع كلمة واحدة من الحكومة حيال إعلانها السابق توقيع اتفاقية استيراد الغاز الإسرائيلي.
الحكومة تنسى أن المحتل لم يحترم اتفاقيات سابقة أهم بالنسبة له من الغاز، على رأسها اتفاقية وادي عربة، واتفاقيات الوصاية على المقدسات، فكيف لإسرائيل أن تلتزم مستقبلا بتوريد الغاز، وعمر الاتفاقية معها يصل إلى 15 عاما، لا ندري ما سنشهد خلالها من مخططات كريهة للإسرائيليين، الذين يسيطر عليهم التطرف أكثر فأكثر.
المثال على عدم احترام المحتل للاتفاقيات صارخ، ويلزم أن يكون درسا للحكومة، التي ما تزال تبرر لجوءها للغاز الإسرائيلي، مختبئة خلف فكرة أن الاتفاق موقّع مع شركة أميركية، وليس إسرائيلية.
بعد ما جرى في الأقصى وما سيجري، لم تعد الحسبة مالية بحتة بل سياسية، ومصلحية، فمن قال إن إسرائيل التي تتنصل من العهود ولا تحترم الاتفاقيات ستلتزم باتفاقية الغاز التي تربط اقتصاد الأردن استراتيجيا مع العدو.
اتفاقية الغاز، تندرج ضمن فكرة التطبيع الاقتصادي التي نادى بها ساسة إسرائيليون، يؤمنون أن ربط بلادهم بمصالح اقتصادية مع الدول المجاورة، سيجعلها أكثر إذعانا لهم ولسياساتهم.
في رفض الغاز الإسرائيلي سأضع جانبا قصة العدو والمحتل، وسأناقش مبررات الحكومة بعدم توفر البدائل، إذ تبدو هذه الحجة ركيكة أمام المعطيات المتوفرة، أهمها أن الغاز الإسرائيلي لن يصل غدا، بل يحتاج إلى سنوات تمتد للعام 2018، تماما مثل باقي الخيارات الموضوعة على الطاولة، لا بل إن لدى الحكومة خيارا أسرع وأقرب للتنفيذ من خلال ميناء الغاز الذي سينتهي منتصف العام المقبل، والذي يوفر مصدرا للطاقة يصلح لتوفير كامل الاحتياجات من الطاقة، إن تم العمل وفقا لما هو مخطط له.
الحكومة لم تتراجع، والحجة المصلحة الوطنية، وتخفيف الكلف المالية على الخزينة، على قاعدة أن إسرائيل قدمت للأردن أسعارا تفضيلية، وهي النقطة المهمة التي تستخدمها الحكومة لتبرير خطوتها.
الكلام غير دقيق، بمعنى، صحيح أن السعر قد يكون أقل بقليل من الأسعار العالمية، لكنه ليس تفضيليا، حيث تشير المعلومات المتوفرة أن السعر يتراوح بين 7 – 9 دولارات لكل مليون قدم مكعب، والحديث عن توفير 600 مليون سنويا غير دقيق، إذ يقابل كل 1.5 دولار من سعر الغاز، سنت من كلفة الكهرباء.
والحكومة تحاجج بأن إسرائيل وفرت الغاز، في وقت انعدمت المصادر الأخرى، وتنصلت دول شقيقة من ذلك، وهذا أيضا غير صحيح، فالاتفاقية الحكومية الموقعة مع شركة شل كفيلة بتوفير كامل احتياجات الأردن من الغاز المسال، عبر الأسواق العالمية ومنها الإسكندرية، ماليزيا، وسومطرة.
الحكومة تقدم الغاز الإسرائيلي على أنه بوابة الخلاص، وتؤكد أن كل الحلول المطروحة غير كافية للاستغناء عنه، وفي هذا الكلام بعد عن الحقيقة، إذ تتوفر مصادر أخرى للطاقة تحمينا من اللجوء لهذا الخيار الانتحاري. أهم المصادر هو ميناء الغاز الذي تنفذه الحكومة الحالية، ووفرت له باخرة خاصة لتحويل الغاز المسال، إذ بات يقترب من أن يصبح واقعا، رغم التأخير في بعض مراحله.
أيضا، يتوفر بديل آخر، مؤهل أن يكون جاهزا في نفس الموعد المحدد لوصول الغاز الإسرائيلي، وهو محطات الكهرباء على الصخر الزيتي، إذ إن نسبة كمية الطاقة المتوفرة من هذا المصدر، إنْ خططت له الحكومة كما يجب، يصل إلى نحو 30 % من احتياجات الأردن، المقدرة بحوالي 400 مليون قدم مكعب من الغاز يوميا.
كذلك، تحضر الطاقة المتجددة كخيار قادر على توفير نسبة تصل 10 % من كامل احتياجات الأردن من الطاقة، عدا عن زيادة كميات الإنتاج من غاز الريشة، بقليل من الدعم المالي لشركة البترول الوطنية.
بعد كل هذا لا أدري، كيف تدافعون عن استيراد الغاز الاسرائيلي، وماذا نفعل بكل البدائل السابقة، وكميات الغاز المتفق عليها مع اسرائيل تغطي غالبية احتياجات الأردن من الطاقة؟!
(العد)