وزير يقاتل على أخطر الجبهات .. يدٌ واحدة لا تصفق!
09-11-2014 02:20 AM
عمون - عن الغد - بالرغم من التركة الثقيلة، وهي حصيلة أعوام طويلة من الأخطاء والخطايا، التي ارتكبتها الحكومات المتعاقبة، بحق التعليم العالي وجامعاتنا، فإنّ وزير التعليم العالي د. أمين محمود، يقاتل من أجل تغيير المسار، ويعمل لإصلاح أماكن العطب والخلل هنا وهناك.
يعترف الرجل، في أحاديثه الخاصة، بأنّ حجم الاختلال كبير، ولن يتم الإصلاح المطلوب بـ"كبسة زر"، فهنالك تراكمات كبيرة، وأبعاد متعددة لأزمة التعليم العالي اليوم، ناجمة عن أخطاء، وربما جرائم فادحة، ارتكبتها السياسات السابقة في حق التعليم العالي، مثل التوسع غير المدروس في عدد الجامعات، وزيادة عدد الموظفين فيها، بصورة غير منطقية، ما أرهق موازناتها وجفف مواردها، ثم جاءت الطامة الكبرى في الزيادة غير الطبيعية في حجم "القبول الاستثنائي" ما ضاعف أعداد الطلبة، فوق الطاقة الاستيعابية، وأدّى إلى اختلال سافر بمعايير العدالة وقيم التعليم العالي.
بالرغم من إدراك الوزير لهذه المشكلات وخطورتها، إلاّ أنّه مضطر إلى مواجهتها بصمت، بعيداً عن الأضواء والإعلام، فهو يواجه معضلة حقيقية اليوم، تتمثّل بالقلق من أن يؤدي الحديث الدائم، إعلامياً، عن تدهور التعليم العالي إلى دفع دول الخليج لاتخاذ قرارات بوقف المنح الدراسية للأردن، وهي اليوم بالآلاف، وتمثل مصدراً ومورداً مهماً للجامعات الحكومية والخاصة.
اضطر أمين محمود للتدخل مرّات عديدة، خلال العامين الفائتين، لدى بعض هذه الحكومات لإقناعها بعدم اتخاذ هذا القرار الكارثي، على سمعة التعليم العالي الأردني، إذ طغت الأخبار المتعلقة بالعنف الجامعي، والانتقادات الإعلامية الحادة لحالة التعليم العالي على صورته في دول الخليج، ما خلق جبهة جديدة لدى الوزير، ليقاتل عليها إضافةً إلى الجبهات الأخرى.
تسلّل الرجل بهدوء إلى مساحات متعددة من العطب ومعالجتها، فعمل على التخفيف من نسبة الاستثناءات الجامعية، فألغى بعضها وخفف البعض الآخر، وما يزال يأمل أن يلغي أو يخفف أخرى غير منطقية، جاءت في المرحلة السابقة، لحسابات سياسية ساذجة، وهو أمر يتطلب إقناع جهات أخرى في الدولة بأهمية هذه الخطوة، وصولاً إلى إعادة هذه النسبة من الكوتات إلى ما كانت عليه على الأقل تقليدياً إلى بداية التسعينيات.
في مجالات أخرى للعطب، قام الوزير للمرة الأولى بتشكيل لجنة خاصة لتعيين رؤساء الجامعات، وفق معايير تنافسية ومهنية، ما أدى إلى اختيار رئيس جامعة آل البيت الحالي، وأوقف التعيينات الإدارية في الجامعات، التي تغص بحجم كبير من الموظفين، أغلبهم تمّ تعيينه بعيداً عن الحاجة الطبيعية للجامعات أو عامل الكفاءة وفق أسس التنافس، بل كان، في وجهة نظري، أقرب إلى "الرشوة" الحكومية للنواب.
اليوم، هنالك نوايا جيدة ما تزال في طور الإنضاج لترى النور قريباً، في مقدمتها إعادة النظر في نظام القبول الموحد، ومن ذلك إدماج طلاب التعليم البريطاني والأميركي الدولي (Ip, Ig, Sat)، الذين يدرسون في مدارس أردنية، وهم بالآلاف في الإطار التنافسي مع طلاب التعليم الوطني، بدلاً من وجود "كوتا" صغيرة لهم، وهو قرار ستكون له نتائج مهمة وإيجابية على نوعية الطلاب في الجامعات الحكومية، إذ أنّ حرمان طلاب هذا التعليم الدولي سابقاً من التنافس في الجامعات الحكومية، كان ظلماً كبيراً لهم ولعائلاتهم، التي دفعت أموالاً طائلة لتقديم نوعية متميزة من التعليم المتقدم المنفتح.
كما أنّ أحد القرارات المهمة التي تطبخ حالياً هو ألا يتم قبول اعتماد أي شهادة طبّ يقل معدل الحاصل عليها عن 85 %، وهو الحدّ الأدنى لدراسة الطب في الأردن، فمن المعروف أن هنالك اليوم آلاف الطلاب الأردنيين يدرسون الطب في الخارج، فلا بد من وضع ضوابط لهذا التوسع الكبير.
ما تزال الطريق طويلة أمام إصلاح التعليم العالي وتسديد فاتورة الكوارث التي حدثت فيه، لكن الوصول إلى "نقطة التحول" المنشودة تتطلب أن يصبح هذا الموضوع همّاً وطنياً عاماً، وألا يترك الوزير وأي وزير قادم وحده في الميدان، إذ من المطلوب أن يتصدر موضوع التعليم أولويات الحكومات واهتماماتها، فهو النفط الحقيقي للأردن.
وهنالك قرارات جريئة لا بد أن تتخذ في مقدمتها تجفيف الكوتات في القبول، إعادة النظر في حجم الدعم المالي الشحيح حالياً بصورة واضحة، لدعم التعليم الجامعي، والحيلولة دون حالة التجريف الحالية في المؤهلات التدريسية، وزيادة الأموال التي تقدم للجامعات للحدّ من تحول التعليم عملياً نحو "الخصخصة"، ما يحمل في ثناياه نتائج وخيمة اجتماعياً وحتى تعليمياً.
ويبقى الأهم من هذا وذاك، استقلالية الجامعات وإبعاد التدخل الأمني والسياسي عنها، وهي كلمة السرّ في التدهور الراهن، وإعطاء مقاليد الأمور فيها لقيادات أكاديمية جريئة إصلاحية.