بالأمس هاتفني احد الأصدقاء معاتبا، لماذا أنت مقل في الكتابة بالرغم مما يجري من أحداث جسام تطاول حدود الوطن وعلى كافة الصعد؟
إجابتي ببساطة كانت: عن ماذا تريد مني الكتابة؟ عن الخطر الخارجي المحدق بنا من كل حدب وصوب؟ أم عن الخطر الداخلي الذي بات عصيا على الحل؟
بالنسبة للخطر الخارجي، فانا لست قلقا منه أبدا، ورهاني في ذلك منصب على وعي المواطن وإدراكه للعواقب الوخيمة فيما لو تسلل إليه الخطر الخارجي، فهو على الأقل بات يعرف المصادر المتعددة لهذا الخطر ومآربه وأهدافه ووسائله، وإن وُجد بيننا من يتبنى بعضا من تلك الطروحات الخارجية فهذا نابع عن جهل وعدم إدراك وبعضه عائد لأسباب قهرية داخلية، مثلما هو رهاني الكبير على قدرة قواتنا المسلحة الباسلة في التصدي لأي خطر داهم، والتي تُثبت في كل مرة أن السيف أصدقُ أنباءً من الكتب.
أما الخطر الداخلي فهو أعظم واخطر بمئات المرات من الخطر الخارجي، وهو الذي يؤدي الى تفكيك المجتمع من الداخل نتيجة الشعور بالتهميش وعدم المبالاة ممن يقومون على رعاية مصالح الوطن و المواطنين.
فماذا نقول للمواطن وهو يرى لعبة الكراسي الدوارة، تلك اللعبة الوحيدة التي ما زال المسئول يتقنها ويتفنن بها، فهو ما أن يترجل عن صهوة كرسي لسبب ما، إلا وتراه ممتطيا لآخر، فهل سبق أن سمعتم عن مسئول نافذ تم إزاحته عن موقعه من باب التقاعد ولم يعد إلى نفس الموقع أو إلى آخر أكثر أهمية من شباك الواسطة والمحسوبية؟!
الأمثلة على ذلك كثيرة وماثلة للعيان، ولسنا بحاجة الى تلسكوب لرؤيتها والدلالة عليها، فقط هي مجرد نظرة سريعة وخاطفة على مختلف المؤسسات والوزارات لتشاهدوا الكم الهائل من المسئولين العائدين بعقود ومسميات ما أنزل الله بها من سلطان، رغم أن العديد منهم قد انتهت صلاحيته منذ زمن ولم يعد قادرا على قضاء حاجته إلا بمساعدة صديق، ولم نعد نعلم ما هي الحكمة الكامنة خلف ذلك والتي لا يعلمها ألا الله والراسخون في الفساد.
الغريب في الأمر، أن أي مسئول في أي موقع كان وعند تحقيقه لانجاز بسيط هو من واجبه، فانه يسارع إلى وسائل الإعلام، ليبدأ بشرح انجازه العظيم بعبارة" وبتوجيهات من..."، وكأن هذا الانجاز ليس من صلب واجبه ومسئولياته، ولولا توجيه الأعلى منه لما تحقق هذا الانجاز.
وهذا يقودنا إلى السؤال الكبير: أين أنت أيها العبقري عندما تخفق في انجاز الواجبات والمسئوليات المناطة بك؟ وأين أنت عندما تتخذ من وظيفتك ساحة لممارسة ألاعيبك الشيطانية وقدراتك الفذة في استحلاب مقدراتها؟ ولماذا تتدثر بعباءة الغير وتعليق هذا الإخفاق على شماعة الآخرين؟ لماذا لا تعترف بالقصور والعجز وعدم القدرة على تحقيق ما أوكل إليك؟
الإجابة على ذلك بسيطة، وهي أن أي مسئول سوف يبقى متمسكا بأي منصب يسند إليه باعتباره الدجاجة التي تبيض ذهبا بالدرجة الأولى، ولن يتزحزح عن ذلك إلى أن يتغمده الله برحمته، ليُمنح بعد ذلك صكوك الغفران ويؤبن باعتباره فاتحا للأندلس.
بعض المسئولين ذاكرتهم أضعف من ذاكرة الذبابة، فما أن تُضرب في موقع إلا وتعود الى نفس الموقع الذي ضُربت فيه، فتراهم يدّعون النزاهة والحكمة والبراءة ويقولون في المنابر والصالونات عكس ما كانوا بالأمس يفعلون، متناسين أن التاريخ ما هو إلا مجموعه من الأكاذيب ما كان يمكن أن يكون لها وجود لو كان الموتى يتكلمون، فالتاريخ لا يرحم، ومثلما هناك صفحات ناصعة فيه، عليك أن تدرك أيضا أن فيه من المزابل ما تنوء عن حمله الجبال، فاختر لنفسك أيها المسئول، يا من تدعي الحكمة والنزاهة في أي صفحة تكون.