نشرت الزميلة "العربي الجديد"، قبل أيام قليلة، تقريراً مهماً عن علاقة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بمحمد دحلان؛ إذ يعتبر الأخير أحد أبرز المقرّبين من السيسي، ما يثير مخاوف الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي دخل في معركة حاسمة مع دحلان، وعمل على تكسير شبكته ونفوذه في أوساط حركة فتح والسلطة الفلسطينية.
وجه القلق لدى الرئيس عباس يتمثّل في الضغوط الشديدة التي يمارسها السيسي عليه، من أجل التحالف مرّة أخرى مع دحلان. ووفق مصادر فلسطينية في التقرير، فإنّ ذلك مؤشر على التفكير به لاستلام السلطة الفلسطينية.
قوّة دحلان لا تقف عند حدود علاقته بالرئيس المصري؛ إذ بدأ نفوذه يصعد خلال الأعوام الأخيرة، بعد ان بات يدير اليوم شبكة متنامية عربياً في حقل الإعلام والسياسة، ويعمل من وراء الكواليس في صناعة المواقف السياسية والتخطيط لمواجهة جماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس وباقي فصائل الإسلام السياسي، وهو الخصم المعروف لها، بخاصة بعد أن تمّ القضاء على نفوذه العسكري والأمني في غزة.
ربما هذا يقودنا، بالفعل، إلى المهمة التي يؤدّيها دحلان على الصعيد الرسمي العربي. فهو من مهندسي الاستراتيجية الحالية التي تضع حركات الإسلام السياسي كافّة؛ الإخوانية والسلفية والجهادية، في حزمة واحدة، وعدم التمييز بين إسلام معتدل وآخر متطرف، والزج بجماعة الإخوان المسلمين في خانة "الحرب على الإرهاب".
لا تقف حدود هذه الأجندة عند الموقف من "الإسلام السياسي" فقط، بل تمتد إلى ممانعة الثورات الديمقراطية العربية عموماً، والإصرار على حماية الوضع القائم، وتوصيف تلك الثورات والاحتجاجات بأنّها مصدر تهديد لأمن الدول العربية المتبنية لهذه الأجندة وللاستقرار الإقليمي عموماً. وقد استطاعت تلك الدول إقناع الولايات المتحدة الأميركية بالعودة إلى "المدرسة الواقعية" ممثلة بتحالف المصالح، مرّة أخرى، والابتعاد عن محاولات اختبار العلاقة مع الإسلام السياسي أو الرهان على التغيير في المنطقة.
من أجمل المقالات الغربية في تفسير خلفية هذا التحالف وأبعاده، مقال بعنوان "التحالف غير المقدس في الشرق الأوسط"، نُشر في مجلة "ذي إنترست"، للكاتب مرتضى حسين. حيث يشبه التحالف الراهن بتحالف الدول الأوروبية في القرن التاسع عشر لممانعة التغيير والحفاظ على الوضع القائم، ما أدى إلى نتائج وخيمة وغير مجدية في مواجهة حركة الاحتجاجات الشعبية.
الطريف هي تلك المشاكلة التاريخية؛ إذ يقول الكاتب عن التحالف الأوروبي: "لعقود من الزمن، وفي جميع أنحاء أوروبا، خدم هذا التحالف كقوة معادية بشكل كبير للثورة. حيث تدخل للمساعدة في إخماد الثورات الديمقراطية للعام 1848، وتعزيز هياكل الحكومات (..) الاستغلالية، أينما كانت تتعرض للطعن. ونجحت الأنظمة في "التعامل مع المتطرفين"، في ذلك الوقت، في المقام الأول، من خلال استغلال التوتر بين الليبراليين ونظرائهم الثوريين الراديكاليين".
ويضيف الكاتب: "بينما نجحت هذه الجهود في إحداث الكثير من سفك الدماء في أوروبا، وترسيخ القمعية، والحكومات السلطوية لأجيال؛ إلا أنها فشلت في نهاية المطاف في تحجيم الحركات الديمقراطية الشعبية".
ويتنبأ الكاتب بنهاية مماثلة للتحالف الراهن؛ إذ إنّ الضغوط السكانية، والأوضاع الاقتصادية، والفشل المتجذّر، سترهق أي محاولة لحماية الوضع الراهن، وتستنزف الحكومات التي تعمل على حمايته.
وبالرغم من أنّ أجندة دحلان واضحة ومعروفة في هذا المجال، وهي لا تنطلق من رؤية فلسفية علمانية صلبة، بقدر ما تتأسس على حسابات شخصية ومصالح سياسية، إلاّ أنّ السؤال المهم يبقى دائماً: ما هو السرّ في شخصية دحلان، بما يجعله رقماً صعباً ومفضّلاً على غيره لدى المحافظين الجدد في أميركا والأنظمة التقليدية في المنطقة؟!
(الغد)