facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




حوار مع الإسلاميين .. «تحدي القناعات وصناعة القبول» (20)


بلال حسن التل
05-11-2014 02:22 PM

تحدثنا في مقال سابق عن التعليم كأساس لتغيير المجتمعات وإصلاحها، وأشرنا إلى دلالات أن يكون أول الوحي قوله تعالى «إقرأ»، فهذه البداية للوحي الرباني لآخر دستور نزل لإصلاح البشرية بالحديث عن القراءة والكتابة، تضع أمامنا أهم أسس الإصلاح وآلياته ممثلة ببناء مفاهيم الناس وقناعاتهم نحو التغيير. أي ان التغيير يرتبط بالقناعة التي يبنيها التعليم الذي يُعيد صياغة الإنسان، وبناءَ وعيه وتصحيح مفاهيمه، ويؤهله لخلافة الله على الأرض لإعمارها، وهو الإعمار الذي كان التعليم أولَ أدواته التي زوّد الخالقُ بها خليفته على الأرض لإعمارها: }وَإِذ قالَ رَبُّكَ للملائكةِ إنيّ جَاعِلٌ في الأرض خَلِيفَةً قالوا أَتَجُعَلُ فيها من يُفُسِدُ فِيَها وَيسفِكُ الدّمَاءَ ونحنُ نُسَبِحُّ بِحَمدِكَ وَنُقَدّسُ لَكَ قَالَ إنيّ أعَلَمُ ما لا تَعُلمُونَ* وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسُمَاء كُلَّهَا ثمَّ عَرَضَهُمُ على الملائكةِ فقالَ أَنبئُوني بِأَسماءِ هؤلاء إن كُنتُمُ صادقينَ* قالوا سُبحانَكَ لا عِلمَ لنا إلا ما عَلَّمُتَنا إنَّكَ أَنتَ العَليمُ الحكيمُ{(البقرة: 30-32). فالتعليم هو أول ما بُدئ به بناء الإنسان، وأول ما زُوّد به لإعمار الأرض، وبه تميز الإنسان عن سائر المخلوقات، وارتفعت مكانته بين هذه المخلوقات، وهو من صفات الله التي تدخل في الكثير من صفاته الأخرى سبحانه وتعالى، وتنجيز قدرته جلَّ وعَلاَ.
وإذا كان التعليم هو أول الأدوات التي زوّد بها الإنسان عند خلقه، فإن صراع القناعات هو أول تحدٍ واجه الإنسان منذ لحظة خلقه الأولى، عندما رفض إبليس السجود لآدم، وطلب مهلة لإغواء آدم وذريته: }إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرًا من طين* فإذا سوَّيتُهُ ونفختُ فيهِ من روحي فقعوا له ساجدين* فسجد الملائكة كلهم أجمعون* إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين* قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديَّ استكبرت أمْ كنت من العالين* قال أنا خير منه خلقتني من نارٍ وخلقته من طين* قال فأخرج منها فأنك رجيم* وان عليك لعنتي إلى يوم الدين* قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون* قال فإنك من المنظرين* إلى يوم الوقت المعلوم* قال فبعزَّتك لأغوينَّهم أجمعين* إلا عبادك منهم المخلَصين{(ص: 71-83) فمنذ اللحظة الأولى لخلق الإنسان خلق معه تحدي القناعات وصراع المفاهيم ممثلاً بطلب إبليس من خالقه ان يمهله حتى يعبث بقناعات آدم وذريته ويغير مفاهيمهم، وقد كان له ذلك. أي ان الإنسان في حالة صراع قيم ومفاهيم منذ اللحظة الأولى وحتى نهاية الحياة.
من هذا كله نفهم دلالة أن يكون أول ما أنزل على رسولنا حديث عن العلم، ونفهم أنْ لا تكون أول مؤسسة أقامها رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤسسة عسكرية أو اقتصادية أو سياسية، بل مؤسسة تعليمية ممثلة بدار الأرقم بن أبي الأرقم كانت مهمتها تغيير المفاهيم والقناعات عبر التعليم. وهو توجيه منه صلى الله عليه وسلم، وهو إمام المصلحين وقدوتهم إلى أنَّ صلاح الناس وتغيير واقعهم إنما يكون بتعليمهم؛ أي ببناء وعيهم من خلال تثقيفهم وبناء قناعاتهم الفكرية والوجدانية، بما يتوافق مع شروط الخلافة على الأرض وإعمارها، وقد أكد عليه السلام هذا التوجيه عندما أرسل مصعب بن عُمير بعد بيعة العقبة إلى يثرب ليعلم الناس، ويبني وعيهم ويعيد صياغة مفاهيمهم وقناعاتهم، ومن خلال التعليم يتم تحضير البيئة التي ستشهد ولادة أول دولة للإسلام في إشارة تقول: إنه مثلما أنّ التعليم الذي يبني الوعي ويبني القناعات، هو شرط إصلاح واقع الناس وتغييره إلى الأفضل، فكذلك لا تقوم الدولة العادلة صاحبة الرسالة إلا بتعليم الناس وفي المقدمة من ذلك تعلميهم لحقوقهم وواجباتهم، وبناء قناعاتهم بهذه الحقوق والواجبات.
إن إنعام النظر في هذا السلوك النبوي بالتأكيد على التعليم وبناء القناعات يجعلنا نقول: إنه عليه السلام سبق كل نظريات وممارسات الديموقراطية الحديثة، وكل آلياتها ومؤسساتها لصناعة التغيير وفي مقدمتها الأحزاب السياسية التي عرفتها البشرية في العصر الحديث. فقد عرفت الأحزاب أهمية تعليم وتربية أعضائها وبناء قناعاتهم.. فعرفت الخلايا والحلقات والأسر، التي تعلم من خلالها هؤلاء الأعضاء مبادئ الحزب والجماعة، وتبني قناعاتهم وفق هذه المبادئ.. فبدون هذا التعليم الذي يبني القناعات تصبح الأحزاب مجرد واجهات اجتماعية لا وزن لها ولا أثر، وتجربة الأحزاب الأردنية في السنوات الأخيرة خير دليل على ما نقول.
لقد برهنت كل التجارب البشرية على صحة المنهج النبوي في تغيير المجتمع من خلال بناء وعيه وقناعاته. فلماذا يتجاهل دعاة التغيير من الإسلاميين هذه الحقيقة؟ فقد صرنا نلمس منهم نهماً شديدًا للسلطة، وبالتالي تضخماً شديدًا للشعار السياسي في عملهم، وتركيزاً على الحديث عن الحكم وسعيهم للاستفراد به وإقصاء الآخرين عنه؟ مع ما رافق ذلك من ابتعاد عن أساليب التربية والتعليم لبناء قناعات المجتمعات وقبولها بالحل الإسلامي لمشكلاتها، مع أن أول الإسلام هو «إقرأ» وليس أحكم، وأول ما فعله الرسول كان بناء مدرسة، لا تشكيل خلية عسكرية. بل إن رسول الله رفض ان يكون ملكًا على مكة مقابل ان يتوقف عن دعوته. فالأمر ليس أمر ملك وحكم، بل أمر إصلاح مجتمع عبر تغيير مفاهيمه وقناعاته. بل انه عليه السلام لم يمارس الفرض والإكراه والتغيير بالقوة عندما أصبح الأمر له في المدينة المنورة، فلم يجبر أحدًا على دخول الإسلام، ولم يطرد غير المسلمين من المدينة، بل سعى عليه السلام إلى توحيد صف مجتمع يثرب من خلال الحفاظ على حقوق كل مكوناته، بصرف النظر عن معتقدها كما رأينا في صحيفة المدينة التي هي أول دستور للدولة في تاريخ الإنسانية، ولم يحاول عليه السلام إقصاء أي أحد بما فيهم أولئك الذين خانوه كما فعل عبد الله بن أبيّ زعيم المنافقين ومن شايعه. فأين هذه السنة النبوية مما رأيناه في سلوك حركات التغيير التي وصلت إلى موقع القرار في غير عاصمة عربية؟! أو تلك التي ما زالت تسعى للوصول إلى مواقع صنع القرار دون ان تلتفت إلى درجة وعي المجتمع وتقبله لها؟. وهو التقبل الذي لا بد منه لإحداث التغيير المنشود في المجتمع. فهل سعت الحركات والجماعات الإسلامية لنيل قبول مجتمعاتها بالحل الإسلامي لمشكلاتها؟ ومن ثم كيف تضع هذا القبول؟.

"الراي"

Bilal.tall@yahoo.com





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :