لو قدّر للكاتب الفرنسي شارل بيرو أن يعيد تأليف قصته الشهيرة ليلى والذئب لما تردد في إعطاء الفتاة النصيحة بأن تحذر من ذئب بشريّ هو أقرب إليها من ذئب حقيقي يسكن الغابة ويتجوّل في الخفاء.
لا ندري ما الذي يحصل لهذا العالم المجنون عندما تطفو على السطح بين حين وآخر حكايات مؤلمة لفتيات يتعرضن لتحرشات أبويّة، مع العلم أن قصصا كثيرة تبقى طي الكتمان.
قضايا سفاح المحارم هي أكثر المواضيع المسكوت عنها وأصعب الجرائم المركبة التي برغم خطورتها ودناءتها وما تسببه من خراب مجتمعي وكوارث على العائلة، لكنّها في الأغلب تؤخذ بالطبطبة ولملمة الموضوع.
وكما حصل في قضية جريمة طبربور مؤخراً، إذ قتلت الأم أبناءها لما لحق بها من دمار نفسي واضح إثر اكتشافها تحرش الأب ببناته، فإن الضحية على الجانب الآخر تبقى أسيرة شعور أبديّ بالنفور والاشمئزاز والاضطرابات، ومعظمها حالات نفسية غير قابلة للعلاج الكامل وكافية لكي تفسد أية ارتباطات مستقبلية للضحايا ولا يمكن أن تعيد التوازن للعائلة المنكوبة.
الأرقام الرسمية تكاد تكون غائبة بما يتعلق بالإعتداء على المحارم وخاصة اعتداء بعض الآباء على بناتهم أو التحرش بهن، لعدة أسباب أن هكذا حالات يتم التحفظ عليها من قبل المؤسسات المعنية أو الجهات الرسمية ومداراتها عن الاعلام أو بسبب الإجراءات الروتينية التي تعطل مسير كثير من القضايا التي بحاجة إلى أدلة. وهنا أتذكّر مأساة أم وبناتها العام الماضي حين تمّ تكفيل أب متوحش هتك عرض بناته وخرج ببساطة لعدم كفاية أدلة!.. وأية أدلة ستتوافر في قضايا كتلك عندما يكون طرفا المعادلة إبنة ضعيفة وذئبا يفترض أنه مصدر الأمان في البيت.
قصص منفرة وصادمة ولا يستبعد أن يليها ردود فعل متطرفة..
ماالحل ؟
التثقيف المدرسي بدءا من مرحلة الروضة ضروري ليعرف الطفل والطفلة أن الجسد مساحة مقدسة لا يصح لأحد الاقتراب منها أكثر من اللازم، ولا بد من تشجيع المتحرش بها والمعتدى عليها على المجاهرة بدل الصمت والاستسلام ثم توفير التأهيل النفسي كجزء أساسي من إعادة دمج الضحايا بالمجتمع، ففتيات كبرن وهن
يعتقدن أن مايتعرضن له من تحرش واعتداءات من محارمحن أمر عادي واجهنه بسلبية وخوف.
التثقيف الممنهج والتشجيع على البوح ليس أمراً جانبياً، فحتى الأمهات والآباء المثقفون والجامعيون لا يعرفون كيف يخوضون مع أبنائهم في حديث كهذا، ليبقى مصدر المعلومات للأبناء إما الأصدقاء أو الانترنت وهذا خطر كبير لأنه مبني على جهل ومجهول.. ومن يعتقد أنه لا داعي من التثقيف في أمور كهذه فلا بدّ أنه يعيش في المدينة الفاضلة. فلنحم بناتنا وأبناءنا لأن أمور التحرش والاعتداءات تشكل هاجساً لكثير منهم بخاصة الفتيات اللواتي يحمّلن أنفسهن شعوراً بالذنب تجاه ما يحصل لهن، في بيوت بدل أن تكون آمنة عطوفة، يكون فيها حاميها، حراميها. الرأي