اللافت للانتباه ان ذهنيتنا العامة قائمة على الشخصنة، وعند كل ظرف او ازمة، نبحث عن شخص واحد فقط لشتمه وتحميله المسؤولية، وهذه عادة باتت رائجة.
في ظروف كثيرة، يتم توجيه سهام النقد لاسماء محددة، لكننا في غمرة ذلك ننسى ان البلد الذي نعيش فيه، لم يعد كما كان، والنقد يجب ان يكون عميقا، لا موجها لشخص محدد بالاسم، باعتباره الصنم الواجب رجمه وتحطيمه.
ربما قصة الاسماء، مناسبة في تواقيت سابقة، حين تسببت اسماء محددة بأخطاء كارثية تركت كلفتها لمن خلفها، اما اليوم، فالاغلب ان القصة لم تعد قصة اسماء.
هي قصة بلد تغير كليا، وعلى سيرة الامطار والثلوج وغير ذلك من ظروف جوية، لا يمكن لشبكات قديمة ضيقة ان تستوعب كل هذا الانهمار، ولا يمكن ايضا لبنى تحتية قديمة جدا، بائسة في كل موقع في البلد، ان تحتمل هذا الانهمار.
البلد كان ممتازاً حين كان عدد سكانه لا يتجاوز الخمسة مليون، وحين يقفز العدد الى عشرة مليون، فلا يمكن ان نتصور بقاء شارع او خدمة كما كانت.
الشارع الذي يتشقق اليوم، لا تتم معالجته، والذريعة نقص المال، وطابور مواعيد المستشفى كان يتعامل مع عشرات، وبات يتعامل مع مئات، والمدرسة التي كانت يستوعب فصلها اربعين طالبا، بات يتم حشر ستين طالبا فيه.
البلدية التي لديها جرافة لفتح عشرين كيلومترا من الشوارع، خلال الثلج، وجدت نفسها امام اربعين كيلو مترا من الشوارع التي يتم فتحها بالديون، فوق خراب الاليات ونقص الصيانة، ومولد الكهرباء الذي لم يتغير منذ عشرين عاما يتوقف او ينفجر امام زيادة الاحمال، جراء زيادة السكان والاستهلاك.
وزراء الاقتصاد في اي حكومة لو تمت اقالتهم، والاتيان بوزراء جدد، فلا شيء سيتغير لحظتها، وشتم وزير مالية او تخطيط، لا يغير من الواقع شيئاً، لان المديونية نفسها، واشتراطات النقد الدولي نفسها، لكننا نميل دوما الى شتم الاشخاص، وعدم استبصار الواقع ذاته الذي لا يتغير بتغير الاسماء.
هذه ليست مرافعة دفاعا عن احد، فطفل اردني يرتعد من البرد، او يغرق في السيل، كرامته فوق كرامة كل هذه الاسماء، لكننا نريد ان نقول شيئا واحدا فقط، فالاردن لم يعد كما كان، وبات هرما في بنيته التحتية ومؤسساته، وفي كل شيء، امام كل هذه التغيرات العاصفة التي تعصف بالدنيا، فوق سوء السياسات، وتدفق الهجرات، وهكذا بلد، لا يمكن الا ان نحاكم فيه السياسات العامة، بموضوعية، بدلا من حرف البوصلة، باتجاه اشخاص، لشتمهم في كل المواقع، وهذا ايضا لا يعفي كل مسؤول عن مسؤولياته، لكننا لا نريد الشخصنة، ونريد ايضا نقدا موضوعيا.
(الدستور)