عندما يصحو المرء مذعوراً ويكاد قلبه أن يتوقف من كابوس سرعان ما يهدأ ويحمد الله على أن ما رآه في المنام ليس واقعاً، لكن هذا الكابوس المتواصل ليلاً ونهاراً وصيفاً وشتاءً في العالم العربي المنكوب بأعدائه وأهله على السواء، لا رجاء في الانعتاق منه، لأنه واقعي من الألف إلى الياء ومن الكاف إلى السين.
كابوس لم يفلح أصحاب أكثر الخيال سواداً في تأليفه، بحيث تبدو كوابيس فرانز كافكا بالنسبة إليه متواضعة، بل متفائلة، طوابير من رجال ونساء وأطفال ينفذ فيهم حكم الإعدام لمجرد أنهم من هذه القبيلة أو تلك أو من هذه الطائفة أو تلك، فهم محرومون حتى الدفن الذي يحافظ على كرامة الآدمي وقد رأيناهم يقذفون إلى النهر أو إلى الصحراء، وقد تعف حتى الذئاب والكلاب عن نهش لحمهم ولعلها تعي بالغريزة أن هناك من هم أشد ذئبية وكلبيّة منها.
في ظهيرة سوداء واحدة، ذبح وقتل وصلب مئات الأفراد من قبيلة واحدة، ولو كان كابوساً لحمدنا الله بعد ان نصحو مذعورين على أنه ليس واقعياً، لكن الكوابيس لم تعد ليلية والخوف لم يعد ذا مصادر معروفة ليس لأن البرابرة يرتدون طاقيات الإخفاء بل لأن العالم مصاب بالعمى.
ماذا لو توقع أحد السوداويين قبل عشرة أيام أننا سنشهد ما نشهد؟ بالتأكيد كان سيتهم بالجنون ويحيط به أطفال القرى وهم يقذفونه بالحجارة. وليس معنى ذلك أن ما نراه هو نبت شيطاني وبلا تاريخ أو جذور، فالماضي كانت أيامه حُبلى بهذه الشرور ويخطئ من يراهن على أن بيضة الأفعى سوف تفقس عن عصفور أو فراشة. فأي واقع ذلك الذي تنامى في عالمه السفلي كل هذا الجنون؟ وأين كانت النخب السياسية والثقافية؟
إن ما يحدث يذكرنا بقصيدة للشاعر اليوناني كفافي، يقول فيها أنه نام طويلاً واستغرق في النوم كما لو كان في غيبوبة، وحين استيقظ وجد نفسه في زنزانة جدرانها تطاول السماء وما من كوة فيها للفرار..
عندئذ سأل نفسه كيف لم توقظني أصوات البنائين وضجيج الحديد والحجارة؟
أليس من حقنا الآن أن نعيد السؤال ذاته.. فما كان يتنامى ويتفاقم حولنا وتحت أقدامنا كانت تشغلنا عنه أشياء كثيرة، وكان ضجيج الغناء يحجب صوت الاستغاثة، وجنون الأنانية الفردية والفحيح والنباح!
لو كان كابوساً لحمدنا الرب على أنه لم يحدث إلا في الخيال لكنه واقع من لحم ودم وصراخ وعويل.. فهل نردد مع عبدالله بن محمد الذي قال ذات كابوس كهذا: آه كم وددت لو أنني شجرة فتعضد!!
(الدستور)