عمان .. تجربة حية مع الفوضى
فهد الخيطان
05-11-2014 01:29 AM
يخيّل إليك أن المدينة خرجت عن نطاق السيطرة؛ أعني عمان أول من أمس. هنا لا أتحدث نقلا عن شهود عيان، أو عما طالعته في صحف أمس، وما نشرته مواقع التواصل الاجتماعي من تعليقات؛ إنما عن تجربة حية عشتها مثل عشرات الآلاف من المواطنين الذين علقوا بسياراتهم في شوارع عمان لساعات طوال.
"الشتوة" إياها التي تحدث مع بداية الموسم كل عام، أغرقت الأنفاق، وعطلت الإشارات الضوئية ومضخات المياه، وشلت الحركة العامة في سائر الشوارع والتقاطعات.
مع الاعتذار من الجميع، لم أكن مثل كثيرين غيري أتوقع غير هذا السيناريو الذي حصل. فمن خبرة السنوات الماضية، تعلمنا كمواطنين أن نرمي وعود المسؤولين بتدارك الأخطاء وتحسين الخدمات، في البحر؛ ونثق بما عهدناه من أداء يجافي الوعود.
أول من أمس، ثبت بالدليل أننا على حق؛ فما سقط من أمطار لا يعادل ثلث "شتوة" العام قبل الماضي التي غرقت بها عمان. وإذا ما افترضنا جدلا أن مستوى الخدمات تحسن مقارنة مع ما كان عليه قبل عامين، وأن "الأمانة" تعلمت من دروس الماضي، فإن من المفترض أن تمر "الشتوة" هذه من دون أن يفيض "منهل" واحد. لكننا نأبى أن نتعلم.
المأساة لم تقف عند هذا الحد؛ فما حدث من إغلاقات وفيضانات في الشوارع، خلف أزمة مرورية رهيبة، تحولت معها مناطق عديدة في عمان إلى كراج كبير تراكمت فيه السيارات من دون حركة.
في مثل هذه الحالات، يلعب رجال السير دورا حاسما في تجاوز الاختناقات بأقصر وقت ممكن. لكن ما حصل في عديد التقاطعات والشوارع في عمان الغربية، وقد شهدتها بنفسي راجلا بعد استحالة التحرك بالسيارة، كان عكس ذلك تماما. فلم أر رجل سير طوال ثلاث ساعات في تلك الشوارع. ومع تفاقم الأزمة، تطوع مواطنون للعب دور رجال السير، لكن بالنظر إلى عدم تمتعهم بالسلطة القانونية، فإن مستوى الاستجابة لتعليماتهم كان محدودا للغاية.
مع مرور الوقت من دون انفراج الأزمة، وتزاحم السائقين عند الإشارات الضوئية المعطلة والتقاطعات الخانقة، زادت حدة التوتر في أوساط العالقين، ووقعت مشاحنات عنيفة ومشادات كلامية، تطورت في بعض الأحيان إلى العراك بالأيدي.
في غياب مظاهر السلطة، تبدو حال الناس مرعبة. كانت نظرة المواطنين لبعضهم عدائية؛ من تأخر عن موعد ضروري، بدا مستعدا لتحطيم السيارات من أمامه لتحقيق مراده. السيدة التي كانت تصيح خوفا من أن لا تلحق بوالدتها حية في المستشفى، كانت على وشك القفز بسيارتها من فوق أرتال المركبات في الشارع.
لقد شهدت مقطعا حيا لحالة الفوضى عندما تغيب السلطة وأدواتها. كم يبدو الوضع مرعبا بحق.
لكن التجربة تطرح أسئلة حول قدرتنا على إدارة الأزمات. باختصار، لم نفعل شيئا في هذا المضمار. وأنا عالق في الأزمة المستحكمة من كل الجهات، كنت أتساءل: كيف يمكن لعربة إطفاء أن تصل لفندق بجوارنا لو وقع فيه حريق؟ وماذا يفعل سائق سيارة الإسعاف لنداء مريض في شارع مغلق بالسيارات؟
ويمكن أن نفكر باحتمالات أخطر من ذلك؛ في عز الأزمة كان بوسع عصابة مسلحة أن تحتل حيا بأكمله، تنهب بيوته وتغادر بسلام، قبل أن تتمكن دورية أمنية من الوصول إلى الحي.
ما أسهل حصول الفوضى، وما أصعبها على الناس!
(الغد)