يقرأ الرواد المستقبل فيصطدمون بالحاضر المتخلف , وهذا يفسر الهجوم عليهم في الحاضر ثم يكرمهم بعد ذلك .
لقد حكم على سقراط بالاعدام - وهو الفيلسوف العظيم - بسبب تناقض الديموقراطية مع اهدافها ,وعلى توماس مور صاحب اليوتوبيا او المدينة الفاضلة ,وعلى برونو بالحرق لأنه قال ان الارض ليست مركز الكون , وكوبرنيكس وجاليلو كذلك .
كذلك قذف باب منزل ابن جرير الطبري – صاحب اعظم تفسير للقران الكريم – بالحجارة حتى سدوه , فمات الطبري حزنا وكمدا على جهل شعبه قبل ان يموت جوعا وعطشا .
أما ابن رشد فقد حرقوا كتبه وكاد ان يقتل لولا نفيه لمدينة لليهود , ومات ابن رشد ولكنه عاش في اوروبا بفكره وفلسفته .
أما الشيخ محمد عبده , فقد كفروه لأنه قال لبس القبعة ليس حراما .
نحن نكرم اليوم هؤلاء الرواد الأوائل :
حيث العقل الجمعي متخلف عن العقل الفردي لهؤلاء الرواد .
قال برناردشو : سر الفشل هو محاولة ارضاء كل الناس .
قيل ان الباطل قد يغلب الحق في بعض الاحيان ولكن تبقى للحق ميزته الكبرى التي ينفرد بها , اذ يجعل من اصحابه روادا للتنوير ومصابيح للتاريخ .
قيل: اسقطت شجرة فسمع الكل سقوطها بينما تنمو غابة كاملة ولا يسمع لها اي ضجيج فالناس لا يلتفتون لتميزك بل لسقوطك .
من لا يقنع بالقليل لا يقنعه الكثير .
من لم يشغل نفسه بالحق شغلته نفسه بالباطل .
من لم يعرف قدر النعم عند وجودها عرف قدرها عند فقدها .
من نام كثيرا عاش قليلا .
من يسأل كثيرا لا يحتاج للسير طويلا .
قيل : بعض المنعطفات قاسية لكنها اجبارية لمواصلة الطريق .
دائما الحاسد يراك مغرورا والمحب يراك رائعا .
لا تتالم اذا انكر احدهم فضلك عليه فأضواء الشوارع تنسى بالنهار.
لماذا يصحو الناس ويتذكرون اعمال الرواد الاوائل العظيمة ويقومون بتكريمهم ,لكن اذا حكمهم ظالم اومستبد , فانه لايمنحهم حريتهم ولا يجنح للديموقراطية , لا لعدم فهم منه او قصر نظره فحسب , وانما رؤيته للعالم وعاداته في اتخاذ القرار وفي التعامل على أقل قوة .وبالتالي لا ينفع النصح معه كثيرا ولا تحصل على حريتك منه الا انتزاعا .
فلا يجوز منطقيا ان تنتظر من الديكتاتور او المستبد قوانين عادلة , او حماية للحريات او انتخابات ديموقراطية او محاسبة وشفافية .
ان اردت هزيمة الاستبداد فان ذلك مرهون بمدى وضوح رؤيتك للهدف الذي تريد تحقيقه , وللطريق المؤدي لهذا الهدف .
لايكفي ان تطالب بالحرية والعيش والعدالة الاجتماعية , بل يجب ان تعرف اي نظام سياسي واقتصادي وقانوني واي سياسات حكومية تحقق هذه المطالب .
بلورة هذه الرؤية , مهمة التنظيمات السياسية والجمعيات والكتاب ومراكز البحث .
دون هذه الرؤيا نكون مجرد مواطنين يحلمون لا اعضاء مع جماعة سياسية تضغط على الاستبداد .
اما هزيمة الاستبداد فانها تحتاج الى تنظيم سياسي له قيادة ,تعبر عن أنصار الحرية وتتحدث باسمهم , وتعني القيادة القدرة على تجميع أنصار الحرية وصرفهم حسب الحاجة .
اما الغضب واليأس والرغبة في الانتقام فانها ردود فعل طبيعية على الاستبداد , لكنها لا تصلح لتحديد الطريق الى مقاومته .
مقاومة الاستبداد والدكتاتورية تحتاج قرارات هادئة تزن الخطوة قبل اتخاذها , ولا تتم من خلال مواجهة واحدة او سياسة واحدة , بل تحتاج لسياسات مختلفة ومتوازية مثل الضغط على السلطة والتفاوض معها , مشاركة السلطة ومواجهة استبدادها في ان واحد بحيث يضمن التمييز بين الحلول الوسط التي تقربنا من هزيمة الاستبداد وبين الاستسلام الذي يهدد قدرتنا على مواصلة المواجهة .
يقول عبد الرحمن الكواكبي في كتابه : طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد:
ان العوام يذبحون انفسهم بايديهم بسبب الخوف الناشئ عن الجهل والغباوة , فاذا ارتفع الجهل وتنور العقل زال الخوف , واصبح الناس لا ينقادون طبعا لغير منافعهم ,وعندئذ لا بد للمستبد من الاعتزال او الاعتدال .
ان خوف المستبد من نقمة رعيته أكثر من خوفهم من بأسه لأن خوفه ينشأ من علمه بما يستحقه منهم , وخوفهم ناشئ عن جهل ,وخوفه عن عجز حقيقي , وخوفهم عن توهم وتخاذل فقط, وخوفه على فقد حياته وسلطانه , وخوفهم على لقيمات من الذباب وعلى وطن يألفون غيره في أيام وخوفه على كل شئ تحت سماء ملكه وخوفهم على حياة تعيسة فقط .
كذلك لو انك جلبت نبتة كانت تعيش في منطقة باردة لتغرسها في منطقة حارة وحاولت المستحيل لكي تنمو النبتة وتثمر وتعيش , فلن تجدي محاولاتك نفعا لان الفارق بين البيئتين في المناخ يدحض تفكيرك في تجاوز هذه العوامل الطبيعية
هذا ينطبق على الافكار والاراء المستوردة وغيرها التي يصعب زرعها في غير بيئتها.
بهذا فالنسيج الاجتماعي المتراص وتوحيد الصفوف ومعرفة حاجات الناس ورغباتهم , ونصحهم وارشادهم للطريق الصحيح يقود المجتمع الى الوصول لمبتغاه وتحقيق ذاته , وتوجيهه الى حقوقه وواجباته , حتى يشعر كل انسان انه اخذ حقه دون تمييز وبعدالة وتساو لكافة الافراد والجماعات , مما يخلق جيلا نافعا منتميا يعمل لصالح وطنه , يجمع ولا يفرق , يطالب بالتساوي وصيانة الحقوق ليعيش كل فرد براحة وسلام وطمأنينة