يتساءل كثيرون عن سر تفوق عدد من أبنائنا الطلبة والعاملين على حد سواء في بلاد الغربة، فكثيرا ما نسمع عن قصص نجاح كبير لهم، وهم ما زالوا في مقتبل العمر، ونتساءل هل كان من الممكن لهؤلاء أن يحققوا مثل هذه النجاحات في بلادهم، وإذا كان الجواب بنعم، فهل نحن قادرون على التعامل مع المتفوقين منهم ومنحهم ما يحتاجون إليه في مجال البحث العلمي -مثلا- وتوفير الأسباب الكفيلة لاستمرارية تميزهم فيما أبدعوا فيه أم سرعان ما سيدخل الوهن إلى نفوسهم بسبب غياب العدالة وتكافؤ الفرص، ولهاثهم وراء لقمة العيش، وتفوق الظروف الوظيفية على تفوقهم العلمي؟! وهل سيتركهم أعداء النجاح يعملون ويبدعون، أم سيشغلونهم بمناكفات لإعاقتهم، وربما يحاربون من قبل بعض المسؤولين عنهم، فتحاك لهم المكائد التي تفت في عضدهم، وتعرقل طريقهم حتى يبعدوهم عن دوائر امتيازاتهم؟!
نشر أحد المواقع الالكترونية خبرا عنوانه: (اﻟﺻﯾن ﺗﺳﺗﻘطب الطالب اﻷردﻧﻲ اﻟﺻﻣﺎدي) أغراني العنوان لقراءة تفاصيل الخبر، فكان هذا الطالب هو أحد خريجي جامعة اليرموك، وقدعرف بجده واجتهاده وتفوقه إذ كان الأول على كلية الهندسة، وقد حقق فيها أعلى العلامات، بعدها غادر لمتابعة دراسته في أمريكا؛ ليحقق مزيدا من التفوق هناك، فحصل ﻋﻠﻰ أرﻓﻊ ﺟﺎﺋﺰة ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى ﺟﺎﻣﻌته التي يدرس فيها اﻟﺪﻛﺘﻮراة ﻓﻲ ﺗﺨﺼﺺ ھﻨﺪﺳﺔ اﻟﻄﺎﻗﺔ اﻟكهرﺑﺎﺋﯿﺔ، مكافأة له ﻋﻠﻰ ﺑﺤﻮﺛﻪ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺪم ﺑها ﻓﻲ مشاريع الطاقة اﻟﺒﺪﻳﻠﺔ، لاسيما اﻟﺮﻳﺎح واﻟﻄﺎﻗﺔ اﻟﺸﻤﺴﯿﺔ، وجاء في معرض الخبر أنه قام ﺑﺘﻄﻮﻳﺮ ﺗﻜﻨﻮﻟﻮﺟﯿﺎ ﺣﺪﻳﺜﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل طﺎﻗﺔ اﻟﺮﻳﺎح ﺳﯿﻜﻮن لها دور ﻛﺒﯿﺮ ﻓﻲ ﺗﺤﺴﯿﻦ ھﺬا اﻟﻤﺼﺪر ﻣﻦ اﻟﻄﺎﻗﺔ، وقد ﺗﻢ ﺗﺒﻨﻲ ﺗﻄﻮﻳﺮه هذا ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺸﺮﻛﺎت اﻻﻣﺮﻳﻜﯿﺔ.
اﺧﺘﯿﺮ اﻟﺼﻤﺎدي أيضا ﻟﯿﻜﻮن رﺋﯿﺴﺎً ﻟﻔﺮع طﻠﺒﺔ اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﻌﻠيا ﻟﻠﻤﻨﻈﻤﺔ اﻷﻣﺮﻳﻜﯿﺔ ﻟﻤهندسي اﻟﻜهرﺑﺎء واﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﯿﺎت ﺑﻌﺪ أن ساعد ﻓﻲ إنشاء أول ﻓﺮع ﻟﻠﻤﺆﺳﺴﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﻌﺎﻟﻢ، وﺣﺼﻮﻟﻪ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﺋﺰة اﻟﺨﺪﻣﺔ اﻟﻤﺘﻤﯿﺰة ﻣﺮﺗﯿﻦ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﻤﻨﻈﻤﺔ.
استقطبته شركة صينية لتطوير تكنولوجيا حديثة في مجال توليد الكهرباء من طاقة الرياح، والطاقة الشمسية، فأرسل بتكليف من جامعته لمناﻗﺸﺔ اﻟﻤﺸﺮوع واﻻﺗﻔﺎﻗﯿﺔ ﻧﯿﺎﺑﺔ ﻋﻦ اﻟﺠانب اﻻﻣﺮيكي، وقام بتدرﻳﺐ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻤهندﺳﯿﻦ اﻟﺼﯿﻨﯿﯿﻦ". كل هذا الإنجازات ويزن لم يكمل السابعة والعشرين من عمره بعد.
لم يمنع يزن من تمثيل الجهة الأمريكية صغر سنه أو جنسيته الأردنية أو أي شيء من هذا القبيل، بل كان المعيار الثقة بأن هذا الطالب المتفوق قادر على تمثيل الجانب الأمريكي في بحث المشروع والاتفاقية مع الجانب الصيني.
مما يلفت النظر تعليقات الأردنيين على الخبر؛ إذ كشفت حجم الإحباط الذي يشعرون به، وذلك بنصحه بالبقاء في أمريكا، بل تحذيره من العودة لما سيلقاه في بلده من عثرات تودي به إلى التراجع؛ علما بأننا في الأردن في حاجة ماسة إلى تخصصه وبحوثه، في ظل ضرورة التوجه نحو الطاقة النظيفة لا سيما أننا نمتلك مصادرها من شمس ورياح، ولا أدري إن دفع الخبر أحد المسؤولين أو المستثمرين للاتصال بيزن وأمثاله لدراسة كيفية الإفادة من معرفته.
في ظل ما ذكرت يتساءل المرء أحيانا: أيهما أفضل للمتفوقين من أبنائنا أن يتركوا هناك يشقون طريقهم في الغربة طالما أن تلك البلاد توفر لهم ما يشبع طموحهم وعقولهم من المعرفة والتقدم في مجالاتهم، فيرفعون اسم الوطن عاليا، ولن يبخلوا عليه في الحاضر أو المستقبل ، أم عودتهم للوطن باكرا للإفادة من خبراتهم محليا؟
لكن يبقى حقهم في الرعاية والتفضيل ضرورة واجبة حتى نضمن استمرارية إبداعهم وتميزهم، ويمكن للجامعات التي تتطلع للعالمية أن تستقطبهم، وتمنحهم المساحة التي يحتاجون إليها للتحرك بحرية بعيدا عن الأنظمة المقيدة للإبداع، ربما مثلما تتعامل بعض المؤسسات مع الخبراء الأجانب، فتغرقهم بالميزات الوظيفية والرواتب العالية، وقد يكون عطاؤهم محدودا، وينقطع بعد عودتهم لبلادهم هذا إذا افترضنا أنهم يقدمون فعلا فائدة لقاء ما يأخذون في كثير من الأحيان.