خطاب العرش السامي، الشكل والمضمون
عادل حواتمة
04-11-2014 12:28 PM
تتجاوز مناسبة إلقاء خطبة العرش قريناتها أهميةً وتأثيراً، فالتأطير الرسمي والدستوري ومستويات التناول والتداول، فضلاً عن براعة التقدير، لا شك عناصر أفردت التميز و الارتقاء. فبالرغم من المرونة الدستورية التي تتيح لجلالة الملك إنابة غيره للإلقاء، إلا أنه دأب خلال حكمه الممتد إلى ممارسة دوره القيادي والريادي في إدامة التواصل الملكي مع كل مكونات شعبه وأبناء امتيه الاسلامية والعربية مناصراً ومدافعاً عن الاسلام والعروبة حاله كحال اجداده.
جاء الخطاب بشكله " المحدب " هندسياً، فالانتظام والإيجابية والإقدام والتوازن معالم شكلت الخطاب بنسخته العصرية، وكما هي التحديات كبيرة كانت الصلابة والمتانة؛ فلقد أحسن جلالة الملك بناء خطابه فكرياً وسياسياً ليتقاطع عملياً مع كل ما من شأنه إعاقة انسيابية التدرج نحو الإصلاح الشامل، أو كل ما يتعارض مع ثوابت الدولة الأردنية فكراً ونهجاً.
ولقد عمل على إعادة بعث وإحياء الخطاب السياسي العربي الهرمي، من حيث المستوى العالي فكراً ونطقاً سامياً، ولعل المتابع للعديد من الخطابات العربية الصادرة من الطارئين على الحكم؛ يلحظ تدنياً بمستوى خطاباتهم السياسية شكلاً ومضموناً وتحولها إلى ثرثرات ولكن من آخر.
من يراجع النطق السامي لجلالته يجد ثبات الاصلاح بمفهومه العام في الفكر الهاشمي، باعتباره ركيزة أساسية في السير نحو التنمية وتحقيق الرفاهية، فلطالما تم التأكيد على مشارب الإصلاح الشامل سياسياً واقتصادياً وإدارياً. وهذا ليس بحد ذاته مجرد تكرار لقضايا هامة ومتصلة بالدولة الأردنية مرحلياً بقدر ما هو ثابت وراسخ في الذهنية القيادية لجلالة الملك إيماناً منه بالدور المُكّمل لما اختطه وكلف به جده الاعظم .
تنوعت برقيات جلالة الملك بمستوياتها المحلية، والاقليمية، والدولية، وأخذت صفة الاختصار والاستعجال. فبرقية الداخل كانت إصلاحية؛ تطويرية تعزيزية تحديثية، واجتماعية؛ تكاتفية تشاركية تضامنية ، وأمنية؛ محورية تجهيزية اندماجية.
فيما قفزت البرقية الاقليمية لتؤكد على عمق وصلابة العلاقة الامنية العربية الاردنية، استكمالاً للدور النهضوي للجيش العربي؛ بمرحلتيه الاولى غير المؤسسية يوم الثورة العربية الكبرى قبل ما يقرب من مئة عام مضت، والثانية المؤسسية التي ابتدأها مبكراً عام 1948.كما تناولت أيضاً الاشكال الهجينة، الطارئة والمؤقتة للتفكير المتطرف وما تصيبه من أذى أخلاقي وسلوكي للمسلمين والمسيحيين على السواء. هنا أيضاً يأتي الثبات والتأكيد على الموقف المتقدم؛ بأن وصفة علاج الأزمة السورية سياسياً داخلياً.
ويمكن اعتبار البرقية الدولية الأكثر وضوحاً وتجلياً وبنفس الوقت تعقيداً، لتفاعلها مع الداخل والإقليم، فالمنظمات الدولية معنية بالوقوف إلى جانب الأردن حتى يتمكن من استكمال دوره الإنساني تجاه اللاجئين السوريين ،وغيرهم في المنطقة فالأردن يدفع ثمن السياسات الدولية المتآمرة والطامعة في المنطقة. فيما الرباعية الدولية والمؤثرين على إسرائيل، يفترض بهم الاندفاع نحو تحريك مياه المفاوضات الراكدة مع الجانب الفلسطيني، إضافة إلى لجم عنان صنيعتهم الصهيونية فيما يخص الاستيطان و المسجد الأقصى.