.. وأيضـاً عن «الأوراق النقاشية»
صالح القلاب
04-11-2014 03:15 AM
المفترض أنه لا جدال إطلاقاً في أن الملكية الهاشمية في الأردن قد بدأت دستورية وأنها استمرت بهذه التجربة تصاعدياً وفقاً لتطورات مجتمعنا وحيث قال جلالته في إحدى أوراقه النقاشية :»إن رؤيتي لتطور الملكية مبنية على قناعة ذاتية راسخة بدأت التعبير عنها منذ السنوات الأولى لتولي أمانة المسؤولية الدستورية.. إنها رؤية جامعة ولا تمثل إنحيازاً لمطالب فئة سياسية ضد أخرى فأنا أنحاز لمصلحة الأردن والأردنيين فقط كما أن هذه الرؤية قد انطلقت مع جهود حثيثة من أجل تحقيق الإصلاح الشامل على مسافات متوازية شملت مبادرات إقتصادية وإجتماعية تهدف إلى تمكين الطبقة الوسطى وتوسيعها لأنها رافعة الإصلاح السياسي وقد جاء «الربيع العربي» بتفاعلاته المحلية ليتيح لنا الفرصة لإستنهاض الهمم الإصلاحية مجدداً وإطلاق موجة جديدة من الإصلاحات والإنطلاق نحو نهضة لا رجعة عنها وهذا هو المستقبل الذي أنشده مستقبل يحتضن الجميع ويتسع للجميع ولا يُستثنى فيه أحدٌ ولا يُحرَمُ من مكتسبات الإزدهار والأمن والإنجاز.
ولعل ما تجب الإشارة إليه ونحن ندقق في كلمة قالها جلالة الملك في أوراقه النقاشية ونتمعن فيها أن جلالته مسكون بهاجس التطور والإصلاح وفي كل المجالات وأنه بالنسبة للملكية الأردنية الهاشمية كان حتى قبل التعديلات الدستورية الأخيرة التي اُعتبرت قفزة نوعية إلى الأمام ،وهي كذلك، قد وعد شعبه ،وهو صادق الوعد دائماً وأبداً، بأن الملكية التي وصلت إليه من والده الراحل الملك حسين أمطر الله تربته بشآبيب رحمته لن تكون هي الملكية ذاتها التي ستصل إلى إبنه وليَّ عهده والمعروف أن الملكية التي إنتقلت إلى الملك حسين هي ليست الملكية التي إنتقلت إلى الملك طلال وهي ليست بالطبع الملكية التي أسسها الراحل العظيم والكبير الملك عبد الله الأول إبن الحسين غفر له الله.
نحن في الأردن نتحدث عن ملكية مرَّ عليها حتى الآن قرابة قرنٍ كامل وهي ملكية ولدت دستورية واستمرت دستورية وولدت مستندة إلى شرعية الرسالة.. رسالة الرسول محمد عليه السلام ورسالة الثورة العربية الكبرى التي أطلقها حفيده الحسين بن علي بن عون والتي حمل لواءها أبناؤه وأحفاده وأحفاد أحفاده إلى أن وصلت سيدنا عبد الله الثاني بن الحسين أطال الله عمره وإلى شرعية تأسيس هذه المملكة التي لولا تأسيسها في عشرينات القرن الماضي لكان هذا الوطن أجزاءً حدودية من أطراف الدول العربية المجاورة وربما لكان الوطن «البديل» الذي تحدث عنه عتاة الحركة الصهيونية حتى قبل احتلال عام 1948 واحتلال عام 1967.. ثم وإن الشرعية الثالثة هي شرعية الإنجازات التي تحققت منذ عشرينات القرن الماضي والتي لا تزال تتحقق حتى الآن.
إنه على الأردنيين أن يدركوا ماذا يعني نظامهم الملكي ،الذي بقي ينتقل من حلقة إصلاحية سابقة إلى حلقة إصلاحية لاحقة والذي استمر بتطوره وفقاً لتطور المجتمع الأردني ومتطلبات واستحقاقات هذا التطور، عندما يتذكروا أن التآمر «الداخلي» والإقليمي والدولي الذي أسقط الملكية الهاشمية المتمثلة بالملك فيصل الأول هو من أوصل سوريا إلى هذه الأوضاع المأساوية الحالية التي وصلت إليها وأنَّ مؤامرة عام 1958 التي هي مؤامرة داخلية وإقليمية ودولية أيضاً هي التي أدخلت العراق في دوامة الإنقلابات العسكرية التي إنتهت به إلى الإحتلال الأجنبي وإلى كل هذا التمزق الطائفي والمذهبي.. وإلى مستقبل لا يزال غامضاً ولا يعرف إلاَّ الله جلَّ شأنه ماذا يحمل لهذا البلد العظيم ولشعبه العزيز من ويلات ومصائب.
ثم وإنها ليست مصادفة أن يمزق هذا «الربيع العربي» الذي تحول إلى أعاصير مدمرة في العديد من دول أنظمة الإنقلابات العسكرية ودول الأنظمة الإستبدادية التي تُستمَّى «جمهورية» وأن يغْشى الدول الملكية وفي طليعتها الملكية الأردنية الهاشمية كبرْد وسلام وحيث قال جلالة سيدنا في إحدى أوراقه النقاشية :»وقد جاء الربيع العربي بتفاعلاته المحلية ليتيح لنا جميعاً الفرصة لإستنهاض الهمم الإصلاحية مجدداً وإطلاق موجة جديدة من الإصلاحات والإنطلاق نحو نهضة لا رجعة عنها وهذا هو المستقبل الذي أنشده.. مستقبل يحتضن الجميع ويتسع للجميع».. وهنا لنتصور لو أن الملكية السنوسية في ليبيا لم يطْحها إنقلاب معمر القذافي المشبوه.. نعم المشبوه ولو أنه لم تكن هناك تلك الجماهيرية «المهبولة» ولو أن الشعب الليبي العظيم لم يبتلَ بكل ما ابتلي به منذ عام 1969؟!
إن ملكيتنا الأردنية الهاشمية هي ملكية دستورية وشرعية منذ لحظة إنشائها وإنها بقيت تتطور وتتجدد على مدى عقود عشرينات القرن الماضي وأنها ستبقى تتجد تلاؤماً مع متطلبات العصر وتطور مجتمعنا الأردني.. وهنا فإنه علينا أن نعرف وندرك أن المشوار أمامنا لا يزال طويلاً جداً لتصبح ملكيتنا الأردنية الهاشمية على غرار الملكيات الغربية ،في بريطانيا وأسبانيا وهولندا والسويد وبلجيكا، فدول وشعوب هذه الملكيات قد مرت بمنعطفات كثيرة قبل أن تصل إلى صيغ الحكم هذه ثم وإنه ليس بالضرورة أن تصبح تجربتنا في هذا المجال نسخة كربونية عن تجارب هذه الدول الآنفة الذكر حتى ولو بعد مائة عام وأكثر فنحن لنا عاداتنا وتقاليدنا ونحن لنا قيمنا التي تختلف عن القيم الغربية.. ولكن وهذا يجب التأكيد عليه وبإستمرار أن مسيرتنا الإصلاحية لن تتوقف بمشيئة الله ووعي شعبنا وتصميم قيادتنا وأن خطَّنا البياني سيبقى في حالة صعود مستمرة وفي كل المجالات.
(الرأي)