أمر بدهي أن يقوم صاحب كل سيارة بإجراء صيانة لمركبته قبيل الشتاء، تشمل تغيير ماسحات الزجاج، والتأكد من الفرامل والزيت، وغيرها مما تقتضيه الصيانة الدورية.
ويتأهب الأمن العام، بدوره، بالرقابة على السائقين، والتأكد من التزامهم بعمل الفحوصات اللازمة لسياراتهم، مع مخالفة غير الملتزمين. لكن شرطة السير تحديداً غابت أمس عن شوارع عمان؛ لتغرق المدينة في فوضى سير لا تقل سوءا عن غرقها في مياه الأمطار.
كذلك، عندما تفكر في شراء منزل قديم، ينصحك الأصدقاء بإجراء تجديد أو صيانة للبيت، بغية التأكد من سلامة الصرف الصحي وتمديدات الكهرباء والمياه وغيرها، اتقاء لمواجهة مصاعب مستقبلا.
الأسر، أيضاً، تستنفر قبل الشتاء. ومع توقع أول "شتوة"، تعلن حالة الطوارئ التي تتضمن القيام بصيانة "الصوبات" والتدفئة والمواقد، كما التأكد من توفر مخزون كاف من الكاز والغاز والديزل؛ فلا تفاجأ بانقطاع مصدر دفئها.
وربما تبالغ بعض العائلات بشكل كبير يصل درجة الاستفزاز، بأن تخزن ما لذ وطاب من الأطعمة، ناهيك عن الخبز وسواه من مواد أساسية. في كل الأحوال، يستعد الجميع للموسم.
التحضير للشتاء عادة وثقافة قديمتان لدى المجتمع الأردني. لكن الظاهر أنهما لم تصلا المسؤولين الذين باتوا يتفاجأون في كل عام بالموسم المطري، فيغرقوننا في أخطائهم التي تجعل الشوارع بحيرات منفرة وخطرة، والسيارات قوارب غير مهيأة!
هكذا باتت حالنا مع كل شتاء. فما حدث في العام 2013 يتكرر الآن في العام 2014، مع أن المعطيات لم تختلف كثيرا، والضغط على البنية لم يزد عما كان عليه.
الصور التي بثها الأردنيون العام الماضي عبر منصات الإعلام المختلفة، لاسيما الاجتماعي منها، والنكات والسخرية التي أطلقوها، كانت جميعها رسالة واضحة وتعبيرا متحضراً راقيا عن الغضب وعدم الرضا الشعبيين. لكن يبدو أن مسؤولينا لم يتلقوا تلك الرسالة، إذ ظنوا أن الأردنيين يمازحونهم؛ فيما السخرية تعبير عن سؤال من دافعي الضرائب: "أين ذهبتم بأموالنا طالما أنكم لم تُفلحوا حتى في تصريف مياه الأمطار؟!".
المسؤولون لم يتعلموا الدرس، لنجد البلد يغرق عاما بعد آخر، وشتاء بعد شتاء؛ ولتتكرر مع ذلك معاناة الأطفال والأسر والسائقين.
في عمان أُغلقت الأنفاق والشوارع. وفي محافظات غرقت أسر ومواشٍ. ومع كل ذلك لم يتعلم المسؤولون ضرورة الاستعداد للشتاء على نحو ما يفعل كل صاحب سيارة وكل أسرة.
الأمر بسيط ولا يحتاج إلى شرح كبير: البنية التحتية بحاجة إلى صيانة؛ إذ لا يجوز أن نعيش المعاناة سنويا، ومعها نسمع التبريرات والذرائع ذاتها.
ففي العام الماضي، قال المسؤولون إن حجم الهطول المطري كبير وغير مسبوق.. وسوى ذلك من أعذار تؤكد أن النتيجة ناجمة عن معطيات استثنائية. لكننا أمس سمعنا أيضا المبرر نفسه والتفسيرات التي تعفي هؤلاء المسؤولين من مسؤولية القصور والفشل في إدارة أزمة الشتاء التي باتت "طبيعية". والظاهر أن الأمطار وكمياتها ستبقى تفاجئ مسؤولينا "الأبرياء" الذين ليسوا إلا ضحايا الأمطار "المذنبة" وحدها، بعد أن كانت حتى الأمس القريب "أمطار خير".
الحل أيها السادة هو بتشكيل خلية إدارة أزمة، تشترك فيها جميع المؤسسات المعنية، لإدراك نقاط الضعف ومعالجتها جذريا؛ فلا نغرق في كل موسم بالمياه والنكات التي يبتكرها الأردنيون للتعبير عن استيائهم.
أجمل تعليق سمعته أمس كان نداء لأمانة عمان والبلديات، مضمونه: "أعزائي أمانة عمان والبلديات، إن الكشف المبكر عن خطوط المجاري والمياه يقينا من الغرق أوعدونا تفحصو".
(الغد)