في الاشهر الاخيرة ، لوحظ مسار جديد في الاردن ، ينسجم مع شعار "الانسان اغلى ما نملك" ، الذي اطلقه الراحل الكبير الحسين بن طلال رحمه الله ، وحمل مشعله جلالة الملك عبدالله الثاني ، فكان هناك تفعيل حقيقي لهذا الشعار ، تبلور في اكثر من نهج قامت به القيادة الاردنية على اعلى المستويات .
لقد كانت اولى بشائر هذا النهج الجديد في وطننا ، هو تفعيل قوانين السير ، بعد عدة حوادث مرورية مفجعة ، كانت بمثابة مجازر مرورية ، ولعل ابرزها حادث الباص على طريق جرش ، التي أدمت قلوب الاردنيين جميعا ، وعلى رأسهم جلالة الملك ، فكان تدخل جلالته ، واوامره الحازمة بمعالجة هذا النزيف الوطني ، هي اكبر دافع للحماس الرسمي والشعبي للتصدي لهذه الظاهرة واسبابها ، وان اختلفت النظرة الى اسلوب المعالجة ومدى فعاليتها ، الا ان النية الصادقة لحسم المشكلة تبعث على الامل في بلورة حل نموذجي مستقبلا ، والامل الاكبر هو في تغيير ثقافة اجتماعية قامت على التسامح اللامعقول ، بغض النظر عن مسببات الحادث .
ورغم اختلاط الامور علي كاحد المواطنين ، بين قانون جديد او قديم او معدل ، ورغم ما يقال عن المغالاة في تغليظ العقوبات على المخالفين ، وعن ممارسات جباية اكثر من كونها اهتماما بحياة االانسان ، الا ان كل ذلك يبعث الامل في النفوس ، بانبلاج فجر جديد ، ترتفع فيه راية حقوق المواطن وحقوق الانسان في كل ارجاء وطننا ، لتلغي مفاهيم الاستهتار والتبرير اللامنطقي ، ولتضع الجميع فوق القانون ، فما دامت النية متوفرة للتصدي لهذه الظاهرة ، فلا بد ان يأتي اليوم ، الذي يتبلور فيه القانون تشريعا وتنفيذا ، بما يكفي لتحقيق السلامة المرورية .
حادثة اخرى ذات مدلول ايجابي ، ازاء تعزيز ثقافة احترام حقوق الانسان ، هي تداعيات وفاة احد المواطنين المسنين ، بعد ادخاله وحيدا لمستشفى الامير حمزة اثر حالة طارئة ، حيث فقد لمدة ثلاثة ايام ، الى ان عثر على متوفيا في احدى الغرف المهجورة لقسم الاشعة ، وهي حادثة ساهمت الاجراءات القضائية اللاحقة ، في تعزيز نهج احترام حقوق المواطن وحقوق الانسان ، ولتؤكد التوجه الرسمي لجعل القانون فوق الجميع ، ومحاسبة اي مقصر ، سواء بشكل مباشر او غير مباشر ، مهما قيل في تبرير التقصير ، وهي اجراءات لا بد ان المواطن يعتز بها ، ويتمنى ان تصبح نهجا دائما في وطننا ، ولا بد ايضا ان الكثيرين ممن لم يصدقوا صدق النوايا الحكومية في هذا الاتجاه ، سوف يشككون في سبب هذا الاهتمام ، كان يقول البعض ان المواطن المتوفى ، رحمه الله ، ربما من اصحاب الجاه والنفوذ ، او من المحسوبين على هذا او ذاك ، لانهم لم يتاكدوا بعد من ثبات هذا التوجه نحو الاهتمام بحقوق المواطن ، واستطيع رغم عدم معرفتي بالمواطن المتوفى ان انفي اي مبرر للتشكيك ، فتفاصيل الحادث تؤكد انه مواطن عادي جدا ، وبالتالي نقول لكل المشككين ، اوقفوا تشكيكم ، ولتجعلوا من هذه الحوادث وما افرزته ، عامل دفع ومساندة للتوجه الحكومي بجعل القانون فوق الجميع ، بدل ان تجعلوا منه مبرر احباط .
لطالما سمعنا عن الاخطاء الطبية ، وعن نواتجها الكارثية ، اناس ابرياء ادخلوا المستشفيات لجراحة بسيطة مثل الزائدة الدودية ، وهي ابسط الجراحات واقدمها ، فقد اجريت مثلها قبل اكثر من اربعين عاما في اماكن نائية ، دون توفر وسائل حديثة كهذه الايام ، ونجحت في تلك الظروف البائسة ، ومع ذلك فان مستشفيات راقية ، فيها اطباء مهرة ، يؤدي التسيب واللامبالاة فيها الى اخطاء طبية قاتلة ، ويبقى ذوو الضحية يعيشون حسرة الحزن على عزيزهم الذي رحل ، وحسرة اضافية لان المتسببين فوق القانون .
انني هنا لا ادين هذا الطرف او ذاك ، ولا ابرر لاحد ، لكنني مواطن معجب بتوجهنا الوطني الجاد لتحقيق حقوق المواطن ايا كان ومن اي كان ، وابارك هذا التوجه واثني عليه ، واعتبره خطوة تقدمية تضاف الى خطوات تقدمية اخرى نلمسها واقعا في حياتنا .
ان الطبيب والممرض وفني الاشعة هم مواطنون ، وجميع المواطنين تحت القانون ، فمن يدافع عن خطأ طبي او اداري قاتل في مستشفى حكومي ، مبررا ذلك بضغط العمل في تلك المستشفيات ، والحمل الكبير الواقع على كادرها الطبي ، هو نفسه من يدافع بنفس الحماس عن خطأ مماثل في المستشفيات الخاصة ، حيث لا وجود لضغط العمل ، انني لست من المؤيدين او المعارضين لهذا الاجراء او عكسه ضد طبيب او مسؤول ، فهذا شأن قضائي ، ما يهمني ويثلج صدري كبقية المواطنين ان لا يكون هناك من هو فوق القانون ، حتى لو كان طبيبا ، اذا ارتكب خطأ ناتجا عن التقصير والاهمال ، وليس عن الاجتهاد .
M_nasrawin@yahoo.com