تونس ترد بالنيابة عنا .. !!
حسين الرواشدة
30-10-2014 03:32 AM
من حسن حظ الشعوب العربية التي ما ان رفعت رأسها لاستنشاق هواء الحرية والكرامة حتى تتالت «الضربات» لكسر رأسها واجهاض حلمها، ان يسّر لها من يرد بالنيابة عنها، وقد جاء هذا الرد من تونس التي اطلقت شرارة الاحتجاجات العربية ، وفي توقيت كاد الانسان العربي فيه ان يستسلم لدعوات»موت» الساسة، و يقبل بنصيبه المكتوب من القهروالاستبداد، وينسى مطالب التغيير والاصلاح التي قيل له بانها رجس من عمل الشيطان.
نحن مدينون لتونس مرتين على الاقل : مرة لانها الهمتنا كيف نحتج ونطالب ونعبر عن احلامنا ونتحدى سطوة الظلم ونجاهر بحقنا في الحياة الكريمة ، ومرة اخرى لانها انقذتنا من اساطير عديدة وجدت من يروج لها من اجل احتكار السلطة واحتكار المال واحتكار الدين والثقافة كما وجدت من يصدقها ويقدسها ايضا.
على ابواب تونس الخضراء سقطت كل هذه الاساطير : اسطورة «الوحش» الاسلامي الذي يريد ان يستحوذ على السلطة ويؤمم الديمقراطية ويقصي الاخرين وينكّل بهم ،باعتبار ان هذا (الاسلامي) هو الوجه الآخر للاستبداد السياسي الذي نهضت الشعوب للتخلص منه، لكن ما فعلته حركة «النهضة» ابطل سحر هذه الاسطورة، صحيح انها تراجعت بحسابات الصناديق الى المرتبة الثانية لكنها باركت فوز العلمانيين الذين تقدموا لممارسة السلطة، وصحيح انها خسرت بعض المقاعد لكنها كسبت ثقة التونسيين واحترامهم حين انحازت لانجاح التجربة، وصحيح انها اجتهدت، وربما اخطأت، لكنها قبلت حكم الناس واختيارهم وانصاعت عن رضى لارادتهم.
صناديق تونس ايضا اسقطت اسطورة «داعش» كبديل للتغيير السلمي، ففي معظم عواصمنا التي انتعش فيها العنف وغطت سماءها عواصف التطرف ورماله الطائفية والمذهبية لم نسمع الا نداء واحدا وهو: نداء السلاح، فيما جاءت رسالة تونس لتدحض هذا الحل وتقنعنا بضرورة البحث في صيدلية الاصلاح والديمقراطية عن الدواء الحقيقي والمجرب ايضا.
على ايقاع وعي التوانسة سقطت ايضا اسطورة : من انتم ؟التي روج البعض من خلالها لفكرة الشعوب العربية القاصرة عن ادراك الديمقراطية وادارتها، وغير القادرة على اقامة معادلة التوافق بدل التمادي في الصراع، لكن الشعب التونسي الذي انحاز لتونس الام والوطن على حساب الولاء للحزب او الحركة ،اعاد الى ذاتنا العربية ثقتها بنفسها، والى مجتمعاتنا قدرتها على انجاز مشروعها وانجاح تجربتها، لكن بشرط ان تخرج من اطار «انا « الى اطار «نحن» ومن وضعية الخنادق المتقابلة الى وضعية الخنادق المتجاورة.
على اسوار ربيع تونس ايضا سقطت اسطورة المظلومية وانتصرت حقيقة المسؤولية، فممارسة السلطة تمنح الشعوب العربية حق التعرف على الفاعلين في المجال السياسي وتمكنها من الحكم على ادائهم، وبالتالي لا معنى لفكرة الحزب الواحد او القائد الخالد ،ولا مجال للاستثمار في الظلم او توظيفه كما لا خوف من تكييف السلطة على مقاس واحد ما دام ان عجلة الديمقراطية تدور بلا توقف.
بفضل التونسيين ايضا سقطت اسطورة: «الوصول الى السلطة اهم من الوصول للمجتمع» ومعها سقطت فكرة ان الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، وهو درس للاسلاميين الذين ما زال بعضهم يتصور ان القبض على السلطة يكفي لتطويع المجتمع واقامة الدولة، و يضمن السيطرة عليهما الى الابد، او ان التمكن من السلطة يمكن ان يفرض المبادئ والقيم ويؤممهما على المجال العام برغبته او بالاكراه.
باسم تونس ايضا سقطت اسطورة «المؤامرة» التي قادنا اليها حظنا البائس حين تصورنا ان العالم، كل العالم، يتربص بنا ويترصد حركاتنا ، وانه قادر على اعادتنا دائما الى الوراء..فهذا الاخر القريب من تونس فشل في اختراق الجدران التونسية، لا لانه لايريد ذلك، وانما لانه وجد ان وعي التوانسة وتماسكهم اقوى من رغباته ومحاولاته.
باختصار، ما اكثرها الاساطير التي توهم بعضنا انها حقائق، فانشغل بتقديسها وتصنيمها، خذ مثلا : نحكمكم ام نقتلكم، الاستبداد السياسي ام الاستبداد الديني، انا او لا احد،العلماني ام الاسلامي،..الخ هذه الثنائيات الاسطورية سقطت بالضربة القاضية، بفضل اخواننا التوانسة الذين ينطقون بلغتنا وينتسبون لامتنا، ويجمعنا بهم مصير واحد.
(الدستور)