بين فينة وأخرى، نقرأ تسريبات هنا وهناك، عن تغييرات شاملة في مواقع مختلفة، وبالأثر تشتعل الصالونات السياسية، بتوقعات وتخمينات، ويبدأ كل مهتم فورا بتلميع صورته، عسى ان يكون له نصيب في حفلة التغييرات المقبلة.
خلال الفترة الماضية، اشتعلت مواقع إخبارية وصالونات سياسية، بتوقعات مختلفة عن تغييرات شاملة في مواقع الدولة العليا، بدأت بتوقع تغيير في رئاسة الحكومة، وأقلها تعديل موسع، مرورا بتغييرات تصيب مواقع أخرى، الأمر الذي ستكون له ارتدادات على من سيفوز برئاسة النواب الأحد المقبل، وهكذا دواليك. توقعات لا تنتهي، وأسماء مرشحة كثيرة مسربة، وسيناريوهات مفترضة.
كل ما يقال عبارة عن أمنيات وأحلام لفئة سياسية، اعتادت على تسريب توقعات، لتحريك مياه راكدة، ووضعها تحت الضوء من جديد، وللقول "نحن هنا".
المشكل، أن كل التوقعات والتسريبات والتحليلات ستحدث يوما، إن عاجلا أو اجلا، فمثلا، لا بد أن يتغير رئيس الحكومة يوما، وبالتالي لا بأس من توقع تغييره، ولا بد أن يجري تعديل على الحكومة، فلا بأس بتوقع تعديل حكومي موسع أيضا، كما أن مواقع عليا سيطولها تغيير يوما ما، ولذا لا ضير من الكلام بشأنها.
عمليا، هي توقعات وأمنيات لأصحابها، قد تحصل غدا، وقد تحصل بعد سنوات، وعندما تحصل لا بأس من القول، إننا توقعنا ذلك السيناريو، وتحدثنا به، ولا بأس من فرد العضلات قليلا، باعتبار أن توقعنا أصاب هدفه، حتى لو تأخر أشهرا، وربما سنوات.
ذلك بات عادة، وطبعا موسميا لطامحين، وأصحاب صالونات سياسية، وخلالها تنسج توقعات عن ذهاب شخص ما، وحضور آخر، وارتفاع أسهم شخصية، وانخفاض اسهم شخصيات أخرى.
بطبيعة الحال، وجريا على عادة الأردنيين، يصبح لكل فريق مرشح مفترض، لكل موقع، سيشغر افتراضيا، وتنسج تحليلات، تدعم توجهات التغيير، وتتحدث عنه، ولا غرابة إن قُرئت مقالات وتحليلات تدعم وتؤيد!
ما تفعله النخب الباحثة عن الضوء، ينعكس بطبيعة الحال على مكونات سياسية واجتماعية اخرى، فيصبح الحديث هو ذاته، وما يقال في صالونات النخب، يقال في مجالس حزبية ونقابية وبرلمانية، وحتى طلابية، مع اختلاف بسيط، هو أن صالونات النخب تؤسس لما تقول بإيهام من حولها أنها مطلعة على يجري، وأن لها صلات وطيدة مع شخصيات في دوائر صنع القرار، وهذا كله لتقول لنا نحن المتلقين، بأنها ما تزال ضمن دائرة صنع القرار، ولديها من المعلومات ما يكفي للتوقع والتحليل.
مجالس وصالونات أخرى، أقل تأثيرا، تعتمد على ارتدادات ما يقال في الصالونات السياسية للنخب، وتبدأ بالبناء عليها، وأخذه وكأنه مسلم به وحقيقي.
الحقيقة ان بقاء الأمر على هذه الشاكلة، لا ينبئ بحالة ديمقراطية سليمة، ولا يؤسس لفكر إصلاحي حقيقي، يؤطر لعمل سياسي وحزبي ونقابي وبرلماني وطلابي، يمكن البناء عليه، ويجعلنا نثق أنه يمكن من خلاله الولوج لمرحلة إصلاحية حقيقية، ونبني دولة حديثة، تعتمد القانون والمؤسسية.
بقاء الصالونات السياسية على حالها، في بث إشاعات وتوقعات، وتلميع أشخاص، واتهام شخصيات أخرى بالفساد، لن يوصلنا لحالة سياسية حقيقية متكاملة، وسيجعلنا محكومين دوما، لحلقات ضيقة وأمزجة شخصيات تبحث عن الضوء والحضور لا أكثر.
دعونا نخرج من تلك الحالة، ونذهب لبناء أحزاب سياسية حقيقية، قادرة على بناء الأردن الحديث المدني الحضاري، أحزاب قادرة على العمل والتأثير في كل الحلقات، وقبل أن يفتح البعض النار على الأحزاب، ويتهمها بالضعف، وعدم القدرة على التأثير، دعونا نرفع وصايتنا عن الأحزاب، ونرفع عنها كل القيود، ونتركها تعمل بحرية من دون تدخلات وتأثيرات.
الحل هو الإيمان بأن الدولة المدنية لا تصنعها سوى منظمات المجتمع المدني، برلمانا وأحزابا ونقابات ومؤسسات نسوية وشبابية وطلابية، وهذا يتطلب أن نفسح لها المجال، من دون وصاية أو تدخل، نشرع لها قوانين إصلاحية، من دون اتهامية أو خوف منها.
"الغد"