القيم والحقوق لا تتجزأ .. القضية الكردية نموذج
د.زهير أبو فارس
29-10-2014 07:46 PM
عندما نتابع ما يتعرض له الكرد من معاناة، يتبادر الى الذهن مسيرة هذا الشعب الطويلة، التي تميزت بالظلم واستلاب الحقوق وانكارها، وفي المقابل هناك بسالة وتضحيات دفاعاً عن الكرامة والكينونة. ولكن المستغرب هو هذا الصمت المريب تجاه قضية عادلة بامتياز، وبخاصة من قبل من يدّعون التزامهم بالقيم الانسانية، وفي المقدمة منها، الحق في الحرية، والكرامة، وتقرير المصير.
وتتحمل دول الحلفاء المسؤولية الأخلاقية والتاريخية تجاه الكرد، بحرمانهم من وطنهم القومي المستقل، المتواصل جغرافياً وديمغرافياً، بمساحة تقارب نصف مليون كيلومتر مربع، وتكريس واقع توزيعم (أكثر من 35 مليون انسان)، ضمن كيانات أربع دول (تركيا، ايران، العراق، سوريا)، وليعيشوا حالة مستمرة من الصراع والتوتر وعدم الثقة، بل والعنف والحروب الدموية عبر تاريخيهم النضالي الطويل.
وعلى الرغم من تجانسهم السكاني (بغالبية اسلامية)، ووحدتهم الحضارية، ومساهماتهم التاريخية في تعزيز الدولة الاسلامية، والذود عن مصالحها ومقدساتها، من خلال نماذج ساطعة، كصلاح الدين الأيوبي وآخرين، إلا أن ذلك لم يكن كافياً، ولا مقنعاً، للدول والقوى الفاعلة في هذا العالم الذي لايريد التخلص من الظلم والكيل بعدة مكاييل(!) وفي ما يخصنا كعرب، فإن القضية الكردية، والتي لا تختلف كثيراً عن شقيقتها الفلسطينية، من حيث الظلم الواقع على شعبيهما وتطلعاتهم المشتركة نحو الاستقلال وتقرير المصير.. نقول إن موقفنا مصاب بالشيزوفرينيا السياسية والأخلاقية، وكأننا نتقن وباعجاب (!) سياسات التفريط بالأصدقاء وتحويلهم الى أعداء، وهذا ما هو حاصل في تعاملنا مع القضية الكردية، والقبرصية، وحتى مع جيراننا القريبين والبعيدين، ممن تربطنا بهم مصالح استراتيجية حيوية (ايران، دول حوض النيل غير العربية،وغيرها). إن الشعب الكردي الذي فشلت الدول الاقليمية، التي يتوزع ضمن «سيادتها»، في حمايته، وتحقيق الحد الأدنى من تطلعاته في الحياة الحرة الكريمة، بحاجة ماسة الى التضامن الأممي الحقيقي، بعيداً عن حسابات المصالح الضيقة، التي تتناقض تماماًَ مع القيم الانسانية، وفي مقدمتها حقوق الشعب الكردي «غير القابلة للتصرف»، بما في ذلك حقه في تقرير المصير والاستقلال، والسيادة الوطنية على أرضه التاريخية، تماماً كما هي مطالبنا تجاه قضية الشعب الفلسطيني العادلة.
هذه هي قيم الشرعة الدولية، والمكفولة من خلال العديد من القوانين والمعاهدات والاتفاقيات ذات الصلة، وهي مثبتة في بيان الاستقلال الأمريكي في تموز 1776، وفي وثيقة حقوق الانسان عام 1789، وفي الفقرة الثانية/ المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة، والتي تنص: «انماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي يالتسوية في الحقوق بين الشعوب، وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها».
من هنا، واعتماداً على هذه المبادئ الراسخة، فإن على قوى الحق والعدل أن تنحاز الى الخيار الذي يجسد ارادة الكرد، ويزيل كل ظلم واجحاف تاريخي حصل بحقهم، نتيجة للتجاذبات المتناقضة للقوى الاقليمية والدولية، لحماية مصالحها الضيقة، فالقيم والحقوق، كل واحد لا يتجزأ.
وأخيراً، فإن ما دفعني للخوض في هذا الموضوع، هو شعور داخلي قديم بعدالة القضية الكردية، اعتماداً على القيم الانسانية الواحدة، التي لا تحتمل التأويل، مع ادراكي التام بأن ما نطرحه يعد بمثابة التجديف عكس التيار، بمفهوم من يرى في ذلك تهديداً للمصالح العربية، مع أن جُلّ المشكل الكردي ليس عند العرب، بل في تركيا وايران، خاصة إذا أخذنا بالاعتبار أن الوضع في كردستان العراق الساعة يقع بين حالتين: فهو أكثر من حكم ذاتي، وأقل من دولة كاملة السيادة بقليل.
ومن يدري، فقد يجد الكيان الكردي القادم مصلحته الحيوية في علاقات وثيقة مع محيطه العربي، فالمصالح المشتركة، واحترام تطلعات وآمال الآخر، ضرورية في بناء جسور الصداقة والثقة والمحبة والتعاون، ومسيرة العلاقات الكردية الأردنية نموذج على ما نزعم.
"الدستور"
Dr.zuhair@windowslive.com